سلسلة من الدروس من روضة الناظر في أصول الفقة لإبن قدامة

الحمدلله رب العالمين وصلى الله وسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبة
وسلم أجمعين
بدأية أرحب باأخواني وأخواتي في سلسلة الدروس المتعلقة باأصول الفقه
في هذه الحلقة سوف نذكر تعريف الإجماع في اللغة والإصطلاح
فالأجماع لغة :-
يراد به أحد المعنيين كما يعبر أهل العلم العزم
فيقال أجمع فلان على السفر بمعنى عزم عليه ويشهد لهذا المعنى
قوله تعالى (أجمعوا أمركم وشركاءكم )
بمعنى أعزموا على هذا الشيء
وقول الله تعالى (وأجمعوا أن يجعلوه في غيابة الجب )
ومن هذا المعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم في صيام الفريضة
(من لم يجمع الصيام من الليل فلا صيام له )

أما المعنى اللغوي الثاني للأجماع وهو الألصق والأقرب بالمعنى الإصطلاحي
فهو بمعنى الإتفاق ومنه يقال أجمع العلماء على كذا أي أتفقوا
ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم
(لاتجتمع أمتي على ضلالة )

إذاًالإجماع من الناحية اللغوية يدور حول معنيين المعنى الأول العزم
والمعنى الثاني الإتفاق
الإجماع إصطلاحاً
أختلف العلماء في تعريفة على أقوال كثيرة لكننا نقتصر على واحد
هو إتفاق المجتهدين في عصر من أمة محمد صلى الله عليه وسلم
بعد وفاته على حكم شرعي

الأدله لى حجية الإجماع :-
(ومن يشاقق الرسول من بعد ماتبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين
نوله ماتولى ونصله جهنم وساءت مصيرا)
الدليل الآخر قوله تعالى
(وكذلك جعلناكم أمة وسطالتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا)
وايضاًقوله تعالى :-
(كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر )

أيضاًمن السنة قوله صلى الله عليه وسلم
(لاتجتمع أمتي على ضلالة )وفي رواية (من شذ شذ في النار )
وقول النبي صلى الله عليه وسلم
(من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقة )
وفي رواية قول النبي صلى الله عليه وسلم
(من فارق الجماعة مات ميتة الجاهلية )

أوجه حجية الإجماع :-

لها ثلاثة أوجه :-
1-أن هذه الأحاديث وإن لم يتواتر آحادها إلا أن مجموعها يفيد عصمة
الأمة من الإجتماع على الخطأ
2-أن الأمة تلقت هذه الأحاديث بالقبول وتمسكوا بها في حجية الإجماع ولم يظهر
لهم مخالف
3-أن المحتجون بهذه الأخبار أثبتوا أصلاًمقطوعاًبه وهو الإجماع الذي ممكن
أن يستفيدمن الحكم على معاني كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم
ويستحيل أن تفق الأمة على التسليم لأمر يؤولون به كتاب الله وسنة رسول الله
صلىالله عليه وسلم وهو غير صحيح
إذا هذه الأدلة تفيدنا أن إجماع هذه الأمه متى ماوقع فيلزم البقية إتباعه

إجماع أهل المدينة :-

توصل الإمام مالك إلى أن هذا الدليل يعد من الأدلة التي ينبغي للمجتهد الايتجاوزها

بل وصل به الأمر أن جعل عمل أهل المدينة مقدم على خبر الآحاد
قبل أن نتطرق لأي شيء لابد أن نعرف من هو الإمام مالك ؟!!
وكيف نشأ ؟!وما البئية التي أثرت عليه ؟!

نبذه عن الإمام مالك :-
يعد حقيقة مدرسة فقهية لقى العلم على يد كبار علماء وفقهاء المدينة
هو :-أبو عبدالله مالك بن أنس إبن مالك ابن أبي عامر ابن عمر
إبن الحارث الأصبحي فهو أصبحي حميري مدني
ولد في المدينة النبوية سنة 93هـوقيل سنة 95هـ
وتوفي سنة (ه179)
وجده الأعلى هو أبو عامر صحابي جليل شهد المشاهد مع النبي
صلى الله عليه وسلم وجده الأسفل المباشر الذي هو بعد أبيه هذا الجد من علماء ومن كبار التابعين
تلقى العلم عن جهابذة العلماء وجهابذة التابعين
تلقية للعلم :-
كان على يد نافع وعامر بن عبدالله ابن الزبير والزهري وعبدالله بن دينار
وروى عنه الحديث كثيراًمن أهل العلم بعض أشياخة كالزهري وربيعة الرأي
أصحاب الإمام :-
الأوزاعي والثوري وسفيان بن عيينه والشافعي
منزلة الإمام وفضله :-
قال عنه الذهبي
هو شيخ الإسلام وحجة الأمه وإمام دار الهجرة طلب العلم وهو إبن بضعة عشر سنة
وتأهل للفتيا وجلس للإفتاء وهو إبن إحدى وعشرين سنة
كان مهيب الجانب يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وكان له من المأثر مايستغنى عن ذكرها
لشهرته
فقد قيل فيه لايفتى ومالك في المدينة فهو وعاء من
أوعية العلم ومستودع للعلم وحجة زمانه
أتقن علم الحديث وعلم الفقه فهو عالم بالحديث رواية ودراية
بالنسبة لأصول مذهب الإمام :-
لاشك أنه فقيه من فقهاء الأمه وإمام من الائمة الأربعة
مصــــــــــــــــــــــــــــــــادره :-
-الكتاب :-
وهو القرآن الكريم وكان مقدماًعنده على سائر الأدلة
-السنة النبوية :-
وهي مقدمة على بقية الأدلة يبدأ بمتواترها ثم مشهورها ثم آحادها
ثم ترتيب نصوصها وظواهرها ومفهوماتها
-الإجماع :-
إذا لم يجد نصا من كتاب الله ولاسنة رسوله يفزع إلى إجماع المسلمين
-عمل أهل المدينة :-
الذي نحن بصدد شرحه
-قول الصحابي :-
فقد كان يحتج باأقوال الصحابة
إذا صح إسنادها ولم يخالف الصحابي في ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم
وكان قول الصحابي عنده مقدم على القياس والإجتهاد
-القياس
-المصالح المرسلة
-سد الذرائع
كان الإمام مالك يعتد بعمل أهل المدينة ويجعله مصدر من مصادر الفقه عنده
الفقه المدني في عهد الصحابة والتابعين رحمهم الله :-

فالفقة المدني نسبة إلى المدينة المنورة دار الهجرة
كان أصحاب الفتوى من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر وعمر وعثمان وعلي
وإبن مسعود وزيد بن ثابت وأبة موسى الأشعري رضي الله نهم كانوا موجودن في المدينة وكان تأثيرهم على التابعين جلياًوواضحاً
تركوا علامات واضحة في الحرص على الإلتزام بسنة النبي صلى الله عليه وسلم
وصارت مدرسة المدينة إمتداداً للعلم
إنتقلت الرؤيا للفقه الإسلامي إلى تلاميذ الصحابة رضوان الله عليهم وهم التابعين
إنتقل فقه الصحابة وأكثر فقه الصحابة إلى ماصطلح عليه بعد ذلك
بفقهاء المدينة السبعة وهم الذين إنتهى لهم العلم والفتوى في المدينة بعد وفاة الصحابة وخصوا بهذه التسمية لإن الفتوى بعد الصحابة صارت لهم وتميزوا بها
وهم يسمون بالفقهاء السبعة الذين أتخذهم عمر بن عبدالعزيز لما كان والياًعلى المدينة
ومستشارين
وهم :-
سعد بن المسيب ،وعروة بن الزبير ،وأبو بكر بن عبد الرحمن المخزومي ،وعبدالله إبن عتبة ،
وخارجة بن زيد ،والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق ،وسليمان بن يسار
هؤالاء أنتقل إليهم الفقه وحفظوا جل ماكان مروي عن النبي صلى الله عليه وسلم
وحفظوا كل ماكان مروي عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة من الآثار وفقه الصحابة
الفقه المدني في عهد التابعين الذين أدركهم الإمام مالك :-
أخذوا عن الصحابة وعن كبار التابعين وكانت لهم مكانة كبيرة في الحديث والفقه والفتوى وأجلهم كان إبن شهاب الزهري ونافع وأبو الزناد وربيعة الرأي وزيد بن أسلم ويحيا بن سعيد
فورث الإمام مالك فقه الصحابة والتاابعين
وأسس أصوله ومناهجة ودون ماكان محفوراًفي الصدر في كتابة الموطأ
وأشتهر الإمام مالك حتى ترددت الكلمة التي يقال فيها في القول المأثور
(أيفتى ومالك في المدينة )
مميزات الفقه المدني في عصر التابعين إلى عصر الإمام مالك رحمه الله تعالى
الميزة الأولى :-إختصاص المدينة التي جاء فيها هذا الفقه المدني بنزول معظم الأحكام فيها
الميزة الثانية :-الإتصال بعصر النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه فالفقة المدني إتصل
بعصر النبي واتصل بعصر الصحابة
الميزة الثالثة :-تأسي أهل المدينة بالآثار ومجانبتهم للبدع والمحدثات
وبهذا الأمر يشهد التاريخ بإن أهل المدينة كانوا أبعد الناس عن البدع والخرافات سواء
مايتعلق بالعقائد أو بالأعمال وقد تأسوا بالنبي والصحابة
الميزة الرابعة:-إحتياج أهل الأمصار إلى علمهم فقد رحل علماء الأمصار إلى المدينة وأخذوا العلم عن التابعين والصحابة
علماء المدينة أنتقلوا لبعض الأماكن الأخرى ونشروا العلم والفقه المدني
فهشام إبن عروة ومحمد بن إسحاق ويحيا الأنصاري وربيعة الرأي وحنضلة بن أبي سفيان أنتقلوا إلى الأمصار ونقلوا العلم والفقه النبوي والمدني
أسس الإمام مالك مناهج استدلاله على فقه مدرسة المدينة وهي الكتاب والسنة وأقضية الصحابة وعلى رأسهم أقضية عمر بن الخطاب وفتاوى إبن عمر وسائر الصحابة وفتاوى فقهاء التابعين
وقواعد سد الذرائع وعمل أهل المدينة والمصالح المرسلة
وكان الإستدلال بعمل أهل المدينة شائعاًقبل الإمام ولم يكن الإمام مالك أول من أعتمد عمل أهل المدينة بل سبقه بعض شيوخ المدرسة من التابعين
كسعيد بن المسيب ويحيا الأنصاري والقاسم بن محمد وعروة بن الزبير
من أجل ذلك يرى الإمام مالك أن عمل أهل المدينة ينبغي أن يتوقف عندهم
لإنهم تميزوا بميزات لايمكن أن تتوفر لبقية سائر الأقطار

هذا وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم تسليماًكثيرا
سبحانك اللهم وبحمدك ونشهد أن لاإله غلا أنت ونستغفرك ونتوب عليك
تقبلوا شكري وتقديري

» سلسلة من الدروس في أصول الفقه لإبن قدامه
» متن نص كتاب عمدة الفقه لإبن قدامة
» هل كان حبا ياترى للشاعرة السودانية روضة الحاج