منة الإدارة
عدد المساهمات : 4047 تاريخ التسجيل : 05/03/2012 الموقع : الوطن العربى
| موضوع: رواية بصمات الاصابع الأربعاء مايو 30, 2012 11:37 pm | |
|
[size=21][b]لا زلت أذكر تلك الليلة الرهيبة ,التي اكتشفت فيها جثتا القتيلين وهي ليلة شديدة القيظ من شهر يونيه لعدة اعوام خلت .. فقد إقترن ذلك الحادث المروع بمأساة لا تقل عنها هولاً .. إذ بينما كانت ترتكب هذه الجريمة المزدوجة الفظيعة , كانت الباخرة العظيمة ( اوكسجين ) تغرق تجاه ساحل فلوريدا وتجر معها الى اليم مئات من ركابها المنكودين. كنت وقتئذٍ اعمل سكرتيراً خاصاً لـ ( ثاتشر كولت ) المدير العام لبوليس نيويورك.. وفي تلك الليلة جلست في مكتبه بإدارة الشرطة لأتم كتابة التقرير الذي يريد تقديمه في مؤتمر رؤساء البوليس المزمع عقده في الغد بمدينة سيراكوزا, وقد ران علينا صمت ثقيل زاده القيظ الخانق وطأة , صمت لا يعكره سوى دقات آلتي الكاتبة الرتيبة المملة. وما كدت افرغ من عملي واتنفس الصعداء حتى فتح الباب وتسلل منه الكابتن هنري السكرتير العسكري للرئيس وقدم نحوه قائلاً :- - ياسيدي لقد تلقيت الآن نباً تليفونياً من أحد رجالنا عن إكتشاف جثة بزورق صغير في إيست ريفير. - أهما ألإثنين من رجال العصابات ؟ - كلا .. فإحدى الضحيتين إمرأة شابة .. أما رفيقها في هذا المصير التعس فيرتدي ثياب القساوسة. - يا إلهي ! إنها جريمة قتل إذن . فأغمض كولت عينيه وإستغرق في التفكير , وأدركت ان التردد يعتمل في نفسه , إذ كان على وشك الرحيل في اول إجازة بعد عامين من العمل المتواصل المرهق , ويزمع أن يقضي شهراً على ساحل البحر , على اثر انتهاء اعمال المؤتمر. وأخيراً ندَ عن صدره تنهد عميق وما لبث أن نظر إلي مبتسماً وهو يقول :- - أخشى ياعزيزي توني ان تضطر إلى وداع إجازتك , مثلي. فلم أزد على أن تنهدت بدوري حسرةً بينما إستطرد كولت يسأل الكابتن هنري :- - كيف أكتشفت الجثتان ؟ - يبدو إن زورقاً بخارياً كان يعبر النهر في الظلام فإرتطم بهذا القارب ثم لم يلبث قائد الزورق ان راح يستغيث بصوتٍ عالٍ فسمعته إحدى سفن الدوريات واسرعت نحوه حيث وجدت القارب بغير قائد والجثتين في قاعه وقد سحبته عى الشاطئ حيث يرسو الآن امام معرض الجثث الجديد بمستشفى بلفي . وبعد أن أملى علي كولت رقية إلى المؤتمر يعتذر فيها عن الحضور تناول قبعته وأشار لي أن أتبعه , وهو يقول للكابتن :- - سوف يبلغك مستر آبوت تعليماتي تليفونياً . ولم تمض لحظة حتى كانت سيارة البوليس تنهب بنا الأرض نهباً حتى بلغنا مستشفى بلفي فهبط منها كولت وسار نحو الشاطئ فتبعته وأنا اتأمل سطح النهر بأمواجه المتراقصة المتألقة وهي تعكس الأضواء المنتشرة على الضفتين . وتقدم أحد رجال الشرطة نحونا , فأمره الرئيس ان يقص علينا تفاصيل الحادث فقال :- - كان ذلك منذ نصف ساعة تقريباً , فبينما كان فتى يدعى ( تويسل ) وصديقة له يتنزهان بزورقهما البخاري إذ إرتطما بقاربٍ صغير يدفعه التيار ولا يقوده أحد . وما أن ألقت الفتاة نظرة إلى قاع القارب حتى إنبعثت منها صيحات الإستغاثة وسقطت مغشياً عليها , وظل رفيقها يهذي كمن به مسٌ من الجنون حتى أدركته سفينة الدورية وقادت الزورق والقارب إلى الشاطئ . - و اين هذان العاشقان ؟ - كانت حالة الفتاة تدعو إلى العناية فحملت إلى المستشفى , وهي الآن هناك مع صديقها في حراسة أحد الزملاء. فأشعل كولت غليونه وطلب إلى الشرطي أن يقوده إلى القارب , ومن ثم مضينا إلى الشاطئ حيث تبينَا في الظلام زورقاً أحمر هو ( زورق الأحلام 9 الذي كان يستقله تويسل الصغير وصديقته , وإلى جواره سفينة البوليس الكبيرة . واشعل كولت مصباحه الكهربائي وهبط الدرج الحجري المؤدي إلى الماء , وعندئذٍ بدا لنا منظر بشع مروع , هو منظر الجثتين المتجاورتين في قاع قارب صغير مطلي باللون الاخضر . كان الرجل قصير القامة يميل إلى البدانة ولا يبدو عليه انه تجاوز الثلاثين من العمر , وكان وجهه الحليق مستديراً وعيناه مفتوحتين تنبضان بألحياة , وفي جبهته العريضة ثقب مستدير سالت منه الدماء على وجنتيه وشعره الأشقر الغزير وياقته البيضاء الناصعة وصديريته السوداء الكهنوتية وإلى جواره رقدت المرأة كأنها مستغرقة في نوم عميق , وكانت في مقتبل العمر رائعة الجمال ذات جدائل جميلة كستنائية تحيط بها شرائط من الحرير الأزرق , وكانت تلوث ثوبها الحريري الأزرق بقعة كبيرة من الدماء تحت الثدي الأيسر تنم على أن الرصاصة القاتلة قد أصابت القلب مباشرةً , ولم نلاحظ ذلك أول وهلة , إذ صدمنا المنظر ببشاعته , فكأنما لم يروي ظمأ القاتل أن تقضي رصاصة واحدة على ضحيته , فتناول سلاحاً قاطعاً شديد الحدة وذبح بها الفتاة المنكودة حتى كاد يفصل الرأس عن العنق , ومع أنني قد خدمت في الحرب العظمى في فرنسا , ثم عملت سكرتيراً لكولت ورأيت الكثير من المناظر المروعة إلا أنني لن أنسى قط ما رأيته في تلك الليلة . وظل ثاتشر كولت لحظة طويلة يتأمل الجثتين ثم مد ذراعه فلمس يد المرأة القتيلة وهو يسأل :- - ألم تعرف شخصية هذين التعسين ؟؟ - كلا ياسيدي . فقد تركنا كل شيء على حاله دون أن نمسه إنتظاراً لمقدمك. فتحول كولت نحوي وهو يقول :- - أن امامك يا توني جثمان كاهن أبرشية غنية , كما يبدو من ثوبه الكهنوتي و جودة نوعه , وأني لعلى يقين من أن الجريمة أرتكبت فوق الشاطئ ثم نقلت الجثتان إلى القارب , ولا يمكن ان يكون قد مضى على ذلك أكثر من ثلاث ساعات , فأما يد المرأة لا تزال دافئة إلى حد ما , رغم تعرضها لرطوبة النهر , آآآآآآآآآآآه ! صه ! ورفع إصبعه على فمه محذراً وهو يمد يده مشيراً فنظرت في إتجاهها , وإذا بي أرى شبحاً صغيراً يتحرك في مقدمة القارب الاخضر , فأمسكت بأحد الاعمدة ثم إنحنيت إلى الامام أمعن النظر في هذا الشبح الدقيق لأتبين كنهه , وأنا في عجب مما عساه يتحرك ويعيش مع هاتين الجثتين حتى أدركت الحقيقة بغتةً من المواء الحاد الذي انبعث فجأة ومن البريق الفوسفوري الذي إنبعث من عينان مستديرتان متوجهتان نحوي , فقد كانت تحرس الجثتين في القارب هرة متوسطة الحجم , مما زاد في بشاعة المنظر , وتواردت الأسئلة في خاطري , ترى لمن هذه الهرة ؟ أهي للقاتل ؟ أم لإحدى الضحيتين ؟ وكيف وجدت معهما في القارب ؟ وأخرجني من ذهولي صوت كولت وهو يدعو حارس النهر ويطلب إليه أن يحضر شبكة مما يستعمل في صيد السمك , وسرعان ما جيء بها , فلم تمض دقائق حتى كانت الهرة تتخبط فيها وقد ثارت ثائرتها وأشتد مواؤها بعد أن لقي الشرطي في الأمساك بها عناء وأي عناء .. ورفع الرجل صيده عالياً حتى استطعت أن أمسك بها في قوة بين يدي ليراها كولت جيداً .. فراح يفحصها على ضوء مصباحه الكهربائي وهو يتمتم كأنه يحدث نفسه :- - يالك من شاهد عجيب غير مألوف في القضايا الجنائية أيها الحيوان الصغير المسكين !! لكنك لن تستطيع ان تقص علينا كيف حدث ما حدث , ومن يدري لعلك مثلي لا تعرف من الأمر شيئاً , هلَا رفعته قليلاً يا توني ؟ ومضى كولت يفحص كل جزء من الهرة , من أذنيها , ورأسها , وجسمها حتى أقدامها , و عندئذٍ هتف :- - إن على أكفك آثار دماء يا صغيرتي , ولكن ذيلك الجميل وشاربك العظيم خاليان منها , توني إنك تمسك بين يديك بشاهد عيان للجريمة ثم تحول نحو السرجنت كارتر فأمره بأن يحضر أحد الأقفاص ويضع الهرة بداخله , في مكان أمين حتى يطلبها ثانية . وبينما كان الرجل يقوم بهذه المهمة استغرق كولت في التفكير وهو ينفث دخان غليونه في قوة , حتى إذا ما عاد كارتر إلتفت نحوه قائلاً :- - لقد رأيت أثناء قدومي الآن رافعة بخارية كبيرة عند ملتقى الشارع التاسع والعشرين , بالطريق المؤدية إلى المستشفى , وأود أن تحضرها إلى هنا سريعاً لأن كل دقيقة تمر تعد كسباً للقاتل . فلما اسرع السرجنت لتنفيذ هذا الأمر التفت كولت نحوي قائلاً :- - أن أدق التفاصيل ياتوني قد يكون يكون ذا أثر حاسم في القضية , و إني أريد أن افحص كل شيء في هذا القارب قبل أن نرفع الجثتان منه . ولم تمض بضع دقائق حتى سمعنا هدير الآلة الرافعة البخارية وهي قادمة نحونا بعمالها جميعاً , وسرعان ما املى كولت أوامره , وهي ان يرفع القارب من النهر في حيطة حتى تظل الجثتان بوضعهما الحالي . فكان العمل شاقاً مضنياً , حتى كاد القارب يفلت من السلاسل الضخمة ألتي أحيط بها , وأخيراً رفع من النهر والماء يقطر من قاعه حتى وضع على الشاطئ فأمر كولت بأن يحمله الرجال بحرص إلى قاعة إستقبال الجثث بالمعرض المجاور . ومضيت مع كولت نسبق الرجال و حملهم الرهيب , حتى إذا ما بلغنا تلك القاعة الفسيحة ذات الجدران القاتمة , رأينا ثلاثة من موظفي المعرض قدَم إليهم كولت نفسه وطلب إليهم إحضار شمعة وبعض المساند الخشبية الصغيرة لتثبت القارب فوق أرض القاعة , كما طلب إليهم إضاءة جميع الأنوار . وما هي إلا هنيهة حتى جاء الحمالون يترنحون تحت حملهم الثقيل فوضعوه في منتصف القاعة وثبتوه بألمساند الخشبية التي جاء بها موظفو المعرض . وفي الضوء الباهر الذي إنبعث من الانابيب الكهربائية القوية , بدا القارب وراكباه المنكودان يحدقان في السقف بعيونهما الزجاجية الواسعة كأنما هو مشهد رهيب مما يعرض في متاحف الشمع . وأمر كولت السرجنت كارتر بأن يتصل بإدارة الشرطة تليفونياً لإرسال الرجال الأخصائيين , وكذلك الدكتور مولتولر الطبيب الشرعي . فلما لم يبقى معه بالقاعة سواي , أشعل كولت غليونه , وإقترب من القارب وهو يقول :- - إنها قضية معقدة يا توني , وينبغي بادئ ذي بدء أن نعرف إسمي الضحيتين , ومحل إقامتهما , وكل شيء عن حياتهما , وعلينا بعد ذلك أن نحدد مكان إرتكاب الجريمة , ونهتدي إلى القاتل . ثم مضى ينطق بخواطره بصوت مرتفع على عادته , بينما أخرجت مفكرتي وبدأت ادون ما يقوله بطريقة الإختزال . - ياله من قارب عجيب ! انظر يا توني , إنه لا يحمل إلا مقعداً وحيداً يخيل لي إنه لم يصنع إلا للغرض الفظيع الذي إستخدم فيه , ولكنني موقن من أن هذا القارب يقوم برحلته الأولى فإن حشو شقوقه لا يزال جديداً , كما أن طلائه ليس فيه خدشٌ واحد , ولنبدأ الآن بفحص هذين التعسين أللذين لا نعرف عنهما شيئاً , إن المرأة يا توني باهرة الحسن , ولا ريب إنها كانت مولعة بالزينة و الحلي , فها هو عقدها من العنبر الخاص , وسوارها محلى بماسات حقيقية ولو أنها متوسطة القيمة , ولكن قرطها من الماس الجيد , إذن فألسرقة ليست الباعث على الجريمة .. آه ! .. إن إحدى أذنيها خالية من فردة القرط ترى أين هي ؟؟ وراح كولت ينقب في القارب دون أن يعثر على فردة القرط الأخرى , التي تبيننا فيما بعد أنها كانت في مكان آخر , وأخيراً عاد إلى فحصه فأمسك بيد المرأة , فوجد أن اصابعها لا تزال مرنة لينة مما يثبت أن الوفاة لم يمض عليها أكثر من ست ساعات بحال من الأحوال .. و عاد يتشمم الأيدي الأربعة في قوة , وهو يتمتم:- - إنها خالية من رائحة البارود يا توني فليس في الأمر إذن إنتحار مزدوج ثم من الذي نقل الجثتين إلى القارب ؟ ووجد في سوار المرأة مدلاة صغيرة من الذهب نقش عليها رقم13 , فقال :- - يا للمخلوقة المسكينة ! إنها كانت تتعلق بالأوهام والخرافات , وتعلق أهمية كبيرة على رقم 13.. آه ! أترى ثيابها ياتوني إنها من الحرير الفاخر ويخيل لي أنها جديدة كل الجدة , فلماذا ؟ إن ذلك يمكن تأويله تأويلاً رهيباً يا بني . و حول كولت إنتباهه نحو الجثة الاخرى , مغمغماً :-, - إن رجال الدين يعدون يوم الأثنين يوم راحتهم الأسبوعية , ولاريب أن هذا المنكود كان قد أعد مشروعاً للإستمتاع براحته في رفقة سعيدة .. وإذا صح حدسي يا توني فإنه قد قص شعره اليوم فقط , فهناك بعض شعيرات صغيرة ملتصقة خلف أذنه .. كما أن ثيابه ناطقة بحسن هندامه , فثنية السراويل ناهضة كحد السيف وياقته لم تتزحزح قلامة ظفر , وهذا النظام البادي في ثياب الضحيتين يدل دلالة قاطعة على إستبعاد فكرة النضال والمقاومة , وذلك يثير في نفسي حيرة كبيرة , لأن الرجل أصيب بالرصاصة في جبهته عن قرب فكيف لم يحاول الدفاع عن نفسه ؟ ورفع كولت رأسه ريثما أشعل غليونه , ثم إستطرد :- - أترى هذه الدائرة الحمراء التي تحيط برسغه الأيسر ؟ لا ريب أن هذا القتيل كان يلبس ساعة ذات سوار ضيق , فأين هي ؟ سوف نأخذ صورة لهذا الأثر الهام عند حضور رجالنا . وراح كولت يفتش القس ملياً , وكانت جيوب سترته خالية , أما الجيب الأيمن لسراويله فكان يحوي لفافة من الأوراق المالية , مما أثار عجبي فقلت :- - عجيب أن يسلبه القاتل ساعته ومفاتيحه , ثم يدع هذا المبلغ الكبير .. - نعم .. ويدع ايضاً حلي رفيقته , وهي أثمن قيمة .. إن هذا كله يحتاج إلى المزيد من التأمل يا عزيزي .. هذا المبلغ الكبير ......... ولم يتم كولت عبارته إذ كان قد وضع يده في الجيب الخلفي فأخرج منه ورقة عليها كتابة بالمداد .. وكانت جزاً ممزقاً من خطاب رحت أقرأه من فوق كتفي كولت في الوقت نفسه , فإذا به يجري كما يلي :- " لقد فكرت طويلاً في الأمر الذي ناقشناه سوياً يا عزيزتي إيفلين فكرت فيه في وحدتي , وفي صلواتي , دون ان أصل إلى قرار , إذ أنني أدرك حق الإدراك واجب كل منا . واجبك حيال زوجك وإبنتك , وواجبي حيال زوجتي وربي الرحيم الذي يقرأ ما في ضمائرنا كأنها كتاب مفتوح , ويغفر لنا ضعفنا .. ولكنه سبحانه أرحم من أن يقتضينا تلك التضحية التي تفوق طاقة البشر , بأن نضحي بحبنا العظيم . كلا .. إنني لن أطيق هذه التضحية حتى ولو نبذنا الناس جميعاً وإستنزلوا علينا اللعنة والغضب , وحتى لو فتحت أمامنا الجحيم على مصراعيها ثم أغلقت وراءنا لنخلد فيها أبداً .. فإنني سوف أقول وأردد دائماً :- كلا .. وألف مرة كلا .. أما الإعتراض الذي أثرته , وهو هل من حقنا أن نسبب الماً لمن يحيطون بنا فإنني أرد عليه بشيء واحد , فهل عني هؤلاء بسعادتنا أو شقاءنا في يوم من الأيام ؟ هؤلاء الذين تخشين اليوم أن نسبب لهم حزناً أو كمداً ؟ كلا . أليس كذلك؟ إذن تعالي يا حبيبتي إلى لقائي في مكاننا المألوف حتى نحقق مشروعنا العظيم , وأذكري أن السعادة التي سوف نلقاها معاً أعظم قدراً من .." وإلى هنا إنتهت تلك القطعة من هذا الخطاب الغرامي الحار الملتهب , وعبثاً رحنا نبحث عن قطعة أخرى منه , حتى قال كولت أخيراً :- - لا بأس يا عزيزي توني .. لقد علمنا الآن إن كلاً من هذين التعسين كان متزوجاً وإنهما كانا عشيقين .. وهو امر مروع في حد ذاته بالنسبة لأحد رجال الدين .. ولكني أتساءل أين ذهبت ساعته وخاتم زواجه ؟ فهناك دائرة حمراء أخرى في بنصر اليد اليسرى , وإني أراهن على أن القس القتيل كان يضع خاتم زفاف في إصبعه نزع منه مع الساعة في الوقت نفسه . - ولكن لماذا ؟ - هذا ما ينبغي معرفته يا عزيزي , وقد تأكدنا الآن من أن للرجل زوجة شرعية , وأن المرأة خلفت وراءها زوجاً و إبنة , كما تأكدنا من أن في الأمر جريمة قتل , ولم يبق إلا أن ننتقم لهذين التعسين . فقلت :- - وكيف جزمت أيها الرئيس بأنهما قد وضعا في القارب جثتين هامدتين ؟ - أنظر إلى عنق المرأة تر الشريان مقطوعاً مما يسبب نزيفاً دموياً هائلاً . ولكن القارب خالٍ من أي أثر للدماء . ومن ثمة ترى أن الجثتين عندما وضعتا في القارب كانتا هامدتين وقد مضى وقت على الوفاة . وناولني كولت الخطاب الغرامي لأضعه في حافظة الأوراق , فلما رفعت رأسي وجدته مكباً على القارب يحاول أن يستخرج شيئاً من قاعه. وعندما إستوى قائماً رأيت على وجهه علائم البشرى والإرتياح وهو يهتف :- - إن العناية ألإلهية معنا يا بني . ثم إقترب من أحد المصابيح ليفحص ما وجده فتقدمت نحوه وما كان أشد عجبي عندما رأيت أن هذا الكنز العظيم لم يكن سوى ورقة صغيرة من ورق الشجر يضعها فوق راحته المكتنزة ينظر إليها بعينين متألقتين :- - أتعلم أي أنواع الأشجار له هذا النوع من الأوراق يا توني ؟ - كلا يا سيدي .. - ولا أنا .. مع إنني أعرف جميع الأنواع المألوفة . - ولكن .. لست أدري كيف تجعلنا هذه الورقة نتقدم في طريقنا ؟ - بل أننا بفضلها قد نستطيع القبض على القاتل قبل الصباح .. والآن أصغي إلي , لقد رأيت آلة تليفون في مكتب ملاحظ المعرض فأطلب رقم10942ريفير سايد , وأخبر مستر ليدر أخصائي النباتات - انني أريد أن أراه في الحال , وأطلب منه أن يحدد موعداً للقاء في خلال نصف ساعة . فلما هممت بالإسراع لقضاء هذه المهمة إستوقفني كولت قائلاً :- - مهلاً فلم أتم أوامري بعد , عليك بعد ذلك أن تتصل بالمركز الرئيسي لتعلم إذا كان مكتب الإستعلامات قد تلقى أي نبأ عن إختفاء أحد القساوسة البروتستانت .. وإذا كان الجواب سلباً – وهو ما أعتقده إذ لم تمض ساعة ونصف على إكتشاف الحادث – فمرهم أن يستخرجوا عناوين جميع الكنائس من دليل التليفون , ثم يبلغوها إلى جنود الدوريات جميعاً ليذهب كل منهم إلى كنائس منطقته فيسأل إذا كان الأب المحترم في منزله , فينبغي أن نعرف خلال ساعة واحدة إسم القتيل .[/size]
[/b] | |
|