العلاج بالفن التشكيلي
أول سعودي يتخصص في العلاج بالفن التشكيلي
في حوار مع أول سعودي يتخصص في هذا النوع من العلاج
اليامي: المعالجون بالفن التشكيلي على علم بالنمو الإنساني والنظريات النفسية والتطبيق الإكلينيكي
الرياض: علي مرزوق
لم يعد الفن التشكيلي لوحة تُرسم، أو مجسماً يُنحت، إنما تعدى ذلك ليكون واحداً من الأساليب العلاجية المعترف بها على المستوى المحلي والعالمي. وقد وصفت الرابطة الأمريكية للعلاج بالفن التشكيلي هذا النوع من العلاج بأنه الاستعمال العلاجي للإنتاج الفني من خلال ابتكار الفن والتمعن في إنتاجه وعملياته.
يستطيع الأفراد أن يرفعوا من درجة إدراكهم لأنفسهم والآخرين، والتأقلم مع أعراضهم المرضية والضغوط التي تنتابهم، والصدمات التي يمرون بها، فيحسنون من قدراتهم المعرفية، ويستمتعون بمتعة الحياة الأكيدة من خلال عمل الفن. والمعالجون بالفن هم مهنيون مدربون في كل من الفن والعلاج. فهم مطلعون بالنمو الإنساني، والنظريات النفسية، والتطبيق الإكلينيكي، والقدرة الشفائية للفن. يستعملون الفن في التشخيص والبحث.
وحول هذا النوع من العلاج ذهبت "الوطن" إلى مركز "التأهيل بالفن التشكيلي" في الرياض والتقت بالمشرف العام عليه، ورئيس برنامج العلاج بالفن التشكيلي بمستشفى التأهيل الطبي في مدينة الملك فهد الطبية، وأستاذ التربية الفنية، والعلاج بالفن التشكيلي المشارك في جامعة الملك سعود الدكتور عوض بن مبارك اليامي فكان هذا الحوار:
* كيف ترى إقبال المجتمع على العلاج بالفن التشكيلي؟.
ـ الإقبال جيد، وهناك توجه إيجابي من قبل أفراد المجتمع بالنسبة للتعرف على الفن ودوره العلاجي، وكذا الحال بالنسبة للانخراط في البرامج العلاجية.
* ما الصعوبات التي واجهتك وأنت تمارس مثل هذا النوع من العلاج؟.
ـ الصعوبات كثيرة، ولكن في الوقت الحاضر أرى أنها في بداياتها للتلاشي بسبب وعي المجتمع المتزايد تجاه البحث عن الأدوات والأساليب الجديدة في العمليات العلاجية، وعلاج الاضطرابات النفسية، والعضوية، لأن السنوات أثبتت لهم أن للفن التشكيلي دوراً إيجابياً في كلتا الناحيتين. أما على المستوى الصحي ففي البداية أقفلت عيادتنا في الـ "ميدي كير" بسبب عدم تفهم الأخوة في الشؤون الصحية بالرياض لموضوع العلاج بالفن التشكيلي، وبعد وضوح الصورة سمحوا للعيادة بمزاولة نشاطها العلاجي بعد التحقق من الأمر، مما أدى إلى اعتراف الجهات المختصة بهذا المجال وتم إضافة مهنة "معالج بالفن التشكيلي" إلى قائمة المهن الصحية بالوزارة برقم 353 وتاريخ 4/3/2000م وبناء على ذلك صدر أول ترخيص لشخصي لممارسة العلاج بالفن التشكيلي بتاريخ 28/3/2000م ، لتصبح السعودية أولى الدول العربية التي منحت أول ترخيص لمزاولة مهنة العلاج بالفن التشكيلي لأحد مواطنيها المؤهلين. وفي اعتقادي أن ذلك يدل على وعي الجهات الصحية السعودية بدور الفن التشكيلي في العمليات العلاجية.
* كيف ترى المجتمع الغربي مقارنة بمجتمعنا الشرقي في مدى تقبل مثل هذا النوع من العلاج؟.
ـ لقد عانى رواد العلاج بالفن التشكيلي في الدول الغربية المتقدمة معاناة كبيرة أكثر مما عانينا نحن هنا، ولكنهم صبروا، وقدموا أدلة وإثباتات إيجابية ساعدت مجتمعاتهم على تقبل هذا النوع من العلاج حتى تم قبولهم له، وباتوا لا يستغنون عنه في أغلب مستشفياتهم، ونحن نتبع نفس المنهجية بحكم أن مجتمعنا يتميز بسرعة التطور، وفهم الآخر.
* وماذا عن الصور الذهنية والعلاج النفسي؟.
ـ عندما يأتي المريض وهو يشكو من معاناة نفسية ما، نطلب منه أن يرسم لنا صورة أو أكثر، ثم نحللها، من حيث الأفكار، والأسلوب الذي نفذت به الخطوط والألوان والأشكال والعناصر، ثم نربطها مع أقطاب المشكلة النفسية للوقوف على مصدر تلك الصور لمعرفة أسباب المشكلة. ثم نبدأ العلاج عن طريق استخدام الحجج العقلية والتدريب الفني السلوكي من خلال الصور الذهنية معززة بالصور الشكلية والمجسمة والعكس للوصول بالفرد إلى تفهم المشكلة. نعود إلى استغلال الصور مرة أخرى لمساعدة المريض على إيجاد الحلول المناسبة، وإبداء الآراء التي نرى أنها مناسبة لتخطي المشكلة. ومن هنا يتضح بجلاء دور التقنيات المعرفية السلوكية في إعادة تأهيل المريض، وتأقلمه مع ما يطرأ من مشكلات عن طريق الأساليب العلاجية كـالتعرض أو المواجهة، أو التخيل الموجه، أو اكتساب مهارات حل المشكلات.
* ما هي الأمراض التي يمكن علاجها بالفن التشكيلي؟.
ـ هناك الكثير من الأمراض التي يمكن علاجها منها الأمراض النفسية مثل الاكتئاب، القلق، الاضطرابات العصبية بشكل عام. والأمراض البدنية حيث يساهم العلاج بالفن التشكيلي وبشكل كبير في عمليات التأهيل الشامل للمرضى المصابين بالشلل، والجلطات الدماغية، والأورام السرطانية، وأمراض الدم، كما هو الحال في الدور الذي نقوم به في كل من مدينة الملك فهد الطبية، ومركز الملك فهد للأورام، وأمراض الدم بالرياض.
* هل يتقن المريض الرسم بعد الانتهاء من جلسات العلاج؟ أم إن الهدف الرئيسي هو العلاج فقط؟.
ـ طبعاً الهدف الرئيسي من العلاج بالفن التشكيلي هو الناحية العلاجية بالمقام الأول، وليس الفنية، ولكن إذا وجد هناك حالات لديها المهارات والموهبة الفنية فإن العمليات العلاجية تبدأ من هذه المنطلقات "المواهب، والمهارات التشكيلية" بحيث يمكن تطويرها وصقلها.
* ما الخطوات العلاجية التي تتخذونها؟.
ـ خطواتنا العلاجية تشبه إلى حد كبير خطوات العلاج النفسي من حيث التشخيص "تشخيص المشكلة"، مروراً بالخطة العلاجية والبدء في تنفيذها، وانتهاء بالمتابعة.
وقد تطول أو تقصر مدة العلاج وفقاً للمشكلة أو نوع المرض الذي نتعامل معه، وكذلك مدى تقبل المريض للعلاج، وحماسة ومتابعته للجلسات العلاجية دون ملل.
* كيف يتم تأهيل من يرغب في ممارسة العلاج بالفن التشكيلي، وما شروط تأهيله؟.
ـ المركز يساعد من يرغب في أن يصبح مؤهلاً في العلاج بالفن التشكيلي عن طريق إقامة الدورات التأهيلية المتخصصة والتدريب الميداني المنظم. أما الشروط التي يجب أن تتوفر في المتقدم فأهمها حصوله على شهادة البكالوريوس في إحدى التخصصات التالية: التربية الفنية، رياض الأطفال، التربية الخاصة، علم النفس.
* هل هناك دول عربية اهتمت بالعلاج بالفن التشكيلي؟.
ـ يعتبر العلاج بالفن التشكيلي مجالاً جديداً في الوطن العربي، وهناك بعض المبادرات الجادة في هذا الموضوع قام بها بعض الباحثين والممارسين للفن من خلال العلاج النفسي. وتتميز جمهورية مصر العربية بالمبادرة الأولى وذلك لتعدد الثقافات، وتعدد مجالات البحث. وتأتي في المرتبة الثانية المملكة العربية السعودية حيث نجد بعض المحاولات الناجحة في هذا المجال قام بها بعض المتخصصين في الطب النفسي وعلم النفس الإكلينيكي، بالإضافة إلى بعض رواد هذا المجال المتخصصين في التربية الفنية والعلاج بالفن.
* وكيف تنظر لمستقبل العلاج بالفن التشكيلي في السعودية؟.
ـ المستقبل يبشر بخير والحمد لله، فالمتابع لهذا النوع من العلاج يجد أن هناك متخصصين آخرين في الوطن العربي أمثال الدكتور عادل كمال في مصر وغيره، كما أن هناك مجموعة من الدارسين والدارسات الذين تخرجوا من قسم التربية الفنية بجامعة الملك سعود والذين خصصوا دراساتهم الميدانية، وأبحاثهم في نفس المجال، بإشراف ومتابعة مني بحكم التخصص أمثال الدارسة فريدة السبيعي التي أعدت بحثاً بعنوان "أثر الرسم التفاعلي المشترك على نمو التعبير التشكيلي الانفعالي عند طفل مصاب باضطراب التوحد"، ومن كلية المعلمين في الرس قدم الدارس بدر الرزين بحثاً حول استراتيجيات العلاج بالفن التشكيلي مع صعوبات التعلم، وهناك بحث ثالث أعدته الدارسة خلود العسيري حول عمليات التخيل الموجه في تنمية الابتكار لدى الأفراد.