مظاهر الإحتفال بشهر رمضان حول العالم "رواندا "
روندا.. ذلك البلد الإفريقي الذي أنهكته المذابح والحروب الأهلية.. اليوم يغدو نحو الإسلام من أجل الأمن والاستقرار بعد أن عرف بحق أنه دين يحفظ الدماء والأعراض والأوطان، ولا يتعدى على حقوق الآخرين.. فبعد حروب الإبادة اعتنق الروانديون الإسلام بأعداد كبيرة، حتى صار المسلمون الآن 15% من تعداد سكان رواندا المقدر بحوالي (8.5) ملايين نسمة. وهذا العدد هو ضعف العدد الذي كان قبل مذابح 1994.
وقال العديد ممن اعتنقوا الإسلام بأنهم قد أسلموا بسبب دور بعض القيادات المسيحية الكاثوليكية والبروتستانتية في هذه المذابح؛ إذ اتهمت منظمات دولية وجماعات حقوق الإنسان العديد من القيادات المسيحية الكاثوليكية والبروتستانتية بالمشاركة في مذابح اللاجئين، وقد سمح رجال الدين المسيحيون لأعداد غفيرة من قومية التوتسي باللجوء للكنيسة، ثم دعوا كتائب الموت التي شكّلها الهوتو وسلموها هؤلاء اللاجئين.
كذلك هناك عدة حالات مشهورة لقساوسة من الهوتو كانوا يحرّضون فيها على قتل التوتسي. ويواجه عدد من رجال الكنيسة تهمًا بالاشتراك في المذابح أمام محكمة الأمم المتحدة الدولية الخاصة بجرائم الإبادة العرقية في رواندا.
الدولة والناس
تقع روندا في وسط القارة الإفريقية إلى الجنوب من الدائرة الاستوائية، ضمن نطاق هضبة البحيرات، تحدها تنزانيا من الشرق، وبورندي من الجنوب، وزائير من الغرب، وأوغندا من الشمال، ورواندا دولة داخلية لا سواحل لها، وصلتها بالعالم الخارجي تتم عن طريق جاراتها، وتبلغ مساحتها (26,338 كم)، وهي من البلدان الإفريقية المزدحمة بالسكان.
ويمثل المسلمون 15% من سكانها، وعاصمتها مدينة كيجالي، وتوجد في وسط البلاد، وأهم المدن يوتاريا وروهنجري وكبيبونجو وأرض رواندا مضرسّة في جملتها، وتُسمى بلد (الألف هضبة)، وتضم العديد من المرتفعات البركانية، حيث الحافة الشرقية للأخدود الإفريقي، فتوجد جبال فيرنجا، وبها أعلى قسم البلاد، في شمال غربي رواندا.
والقسم الغربي منها جزء من الأخدود الإفريقي، ويسوده نطاق منخفض تتوسطه بحيرة كيفو، ويصرفها نهر روبزي نحو الجنوب نحو بحيرة تنجانيقا، وتسير الحدود السياسية بينها وبين زائير عبر البحيرة والنهر، وتشمل المجاري المائية العديدة من نطاق المرتفع في غربي رواندا إلى بحيرة فكتوريا شرقاً، وتضم البلاد من البحيرات الصغيرة التي تنتشر في شرقها.
ويتكون أغلب سكانها من زنوج البانتو أو ما يُطلق عليهم بانتو البحيرات، وأشهرهم مجموعة الهوتو (الياهوتو)، ويشكلون حوالي 80% من سكان البلاد، وهم أصل سكان رواندا، والجماعة الثانية التوتسي ونسبتهم 10% ويشكلون الطبقة الأرستقراطية، وباقي السكان من جماعات التوا، ومن الأقزام وأقلية مهاجرة، وقد سادت الإضرابات بين التوتسي والهوتو عقب الاستقلال، وهي ثورات الأغلبية ضد الأقلية، وينتشر الإسلام بين التوتسي والهوتو والأقلية المهاجرة على السواء.
يُبنى اقتصاد رواندا على حرفتي الزراعة والرعي، ويعمل بها 92% من القوي العاملة، وتُمارس الزراعة في مناطق متفرقة من البلاد، والحاصلات تتمثل في البن، والشاي، والتبغ، وقصب السكر، والموز، وتُربى الأبقار بأعداد لا بأس بها، والبن أهم الصادرات، وتعاني رواندا من نقص حاد في المواصلات.
الدخول في دين الله
وقد دخل الإسلام رواندا في القرن الثامن عشر على يد التجار العرب الذين توغلوا من سواحل شرق إفريقية بحثًا عن العاج والجلود والعبيد، وازداد عدد المسلمين بعد موجات من الهجرة في بداية القرن العشرين هربًا من المحتل الأوروبي في بلاد تنزانيا وأوغندا والسودان وكينيا. وفي العاصمة كيجالي عاش المسلمون على هامش المجتمع في منطقة "بيريجو"، وهي حي عشوائي، يوجد به الآن مسجد الفتح، وهو أكبر مساجد رواندا.
لكن في السنوات الأخيرة تزايد عدد المسلمين، وصار من الشائع أن نرى القرويين يرتدون الجلباب، ويحملون نسخًا من القرآن، وهم يدخلون المساجد في عصر الأحد الممطر؛ حيث ينتظرهم الإمام ليدرس لمعتنقي الإسلام الجدد أصول دينهم الحنيف.
وقد ارتفعت راية الإسلام في شوارع رواندا حيث نرى الآن النسوة المسلمات وهن محجبات يتحركن إلى المساجد، وتمتلئ المساجد والمدارس الإسلامية بالطلاب اليوم وأصبح الإسلام اليوم في كل مكان في رواندا.
وقد زعمت بعض الدول الغربية أن نمو الإسلام وازدياد معدلات الفقر والشعب المحبط قد تجعل من رواندا أرضًا خصبة للإرهاب، مما دفع الأئمة المسلمين في كل أنحاء رواندا إلى عقد مؤتمر شرحوا فيه معنى الإسلام، وكيف تكون مسلمًا، وحسموا موقفهم الرافض للإرهاب والعنف حتى يقطعوا الطريق على المتربصين بهم الذين يريدون ربطهم بدوائر الإرهاب.
قلق كنسي من الإقبال على الإسلام
الجدير بالذكر أن الإقبال السريع على الإسلام بين أبناء الشعب الرواندي،أصبح يمثل قلقاً واضحاً للكنائس الرواندية مما دفع أحد الرهبان إلى القول: "لا نستطيع أن نقول لمن اعتنق الإسلام مؤخراً عودوا للمسيحية"، وقد قامت الكنائس في رواندا بطرح تساؤلات حول هذا الموضوع على الفاتيكان، مما يعبر عن حيرتهم إزاء تزايد عدد الذين يعتنقون الإسلام.
وهو ما دفع الكنائس إلى تقديم برامج رياضية للشباب ورحلات لبناء الثقة في الكنيسة من جديد. خاصة أن المسلمين يقدمون خدمات اجتماعية جيدة، بل إنهم استطاعوا تأسيس جماعات نسائية توفر التعليم، وتقدم فصولاً حول رعاية الطفل والأمومة.
وفي مؤتمر عُقد مؤخراً للنساء المسلمات قالت عائشة أويمبا بازي، وقد اعتنقت الإسلام مؤخراً: "لقد أنقذ المسلمون أسرتنا بكاملها.. كان المسلمون رحمة لرواندا أثناء المذابح، وهذا ما جعلني أعتنق الإسلام عن قناعة " وتقول سالمة أنجابيري التي اعتنقت الإسلام عام 1995 بعد أن قُتل أخواها في المذابح: "نحن نرى المسلمين بوصفهم شديدي الرقة، والرحمة تملأ قلوبهم".
ومما ساعد على رفع مصداقية المسلمين عند الشعب الرواندي جهود القادة المسلمين في المصالحة الوطنية.
العدالة الاجتماعية والمصالحة
ويقوم مسلمو رواندا بدور كبير في محاولة إقرار العدالة الاجتماعية والعدل في بلادهم؛ حيث شارك المسلمون في المؤتمر الخامس للحوار الإسلامي المسيحي في رواندا من أجل إقرار العدالة الاجتماعية.
وكان هدف المؤتمر الإسراع بتنفيذ العدالة وإقرارها بعد المذابح التي حدثت. ففي السجون الرواندية هناك (120) ألف متهم بالمشاركة في المذابح. ويحاول القانون هناك أن يجد مخرجًا لهذه المشكلة فيما يُعرف باسم الجاكاكا أو المحاكم العرفية الشعبية أو بلفظ آخر العدالة على الشعب.
ومن أهم الشخصيات التي تلعب دورًا مهمًا في المصالحة الوطنية السيد سليم ندا بيكونزا رئيس مجلس مسلمي رواندا، وهو يردّد أن شعار المؤتمر هو "الحقيقة تداوي الجراح"، وأن الحق قيمة دينية أساسية سواء عند المسلمين أو المسيحيين.
ويبدو أن المساجد في رواندا قد صارت ملاذاً للمصالحة الوطنية، يقول الشيخ صالح هابيمانا مفتي روندا "الإسلام لا يعرف فرقا بين هوتو ولا توتسي؛ فكلنا إخوة في الإسلام"، لقد اعتنق العديد من التوتسي الإسلام بحثًا عن ملجأ واحترام لمن ساعدهم من المسلمين. أما الهوتو فإنهم يعتنقون الإسلام ليبتعدوا عن ماضيهم الملوث والعنيف.
يؤكد قائلاً: "إن الهوتو يحسون بالندم على ما اقترفوه". ويردف: "إن المجتمع المسلم في رواندا لديه فرصة ذهبية لتحقيق المصالحة"، مؤكدًا على الدور المهم الذي من الممكن أن يلعبه الإسلام في هذه المصالحة؛ لأن "المسلمين لم يشاركوا في المذابح والعنف؛ إذ إن معظمهم نتاج زواج مختلط بين الهوتو والتوتسي؛ فالإسلام لا يفرق بينهم ويؤلف ما بين قلوبهم".
وقبل صلاة الجمعة من كل أسبوع يتجمع المسلمون الروانديون في مسجد كيجالي في ضاحية نياميرامبو ويفرشون خارج المسجد سجاجيدهم؛ لأن المسجد غالباً ما يكون قد امتلأ بالمصلين. وما يحقق المقولة الشهيرة بأن "إفريقية قارة مسلمة"، لتصبح حقيقة واقعة مع ازدياد نمو الإسلام في رواندا وغيرها من بلاد إفريقية.