مظاهر الإحتفال بشهر رمضان حول العالم " موريتانيا "
موريتانيا.. نقلة نوعية
من التقاليد العريقة في موريتانيا أن أهالي البلاد تشرئب أعناقهم لرؤية هلال رمضان وهم في شهر رجب، وهذا دليل على الاهتمام الزائد بهذا الشهر.
ففي رمضان يشعر الموريتانيون على اختلاف طبقاتهم بنكهة روحية عارمة تلامس القلوب وتعدل السلوك وتُكيِّفه إلى درجة كبيرة مع قدسية الشهر وعظمته في قلوب عامة المسلمين. فالموريتاني العادي ينتقل نقلة نوعية بحلول شهر رمضان تكاد تكون ملموسة، فالشاب الذي كان نصيبه من العبادة محدوداً وبضاعته من العلم مُزْجَاة، تراه يتردد على المساجد وعلى حلق العلم، ويبتعد عن كل ما لا يتلاءم وروح الشهر المبارك.
ترى الغني الذي كان منهمكًا في تنمية موارده، بمنأى عن التبذير، بل وبمنأى عن الإنفاق في وجوه الخير، تراه يفيض جودًا ويتتبع مواقف الخير ينفق فيها أمواله دون حساب، وهو موسم يترصده الفقراء للتعرض للأغنياء؛ بغية الاستفادة من فضول أموالهم وقلما يخيب ظنُّهم، وعلى كل حال فهذه ظاهرة تكاد تكون شاملة لعامة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.
وتختلف العامة في الابتهاج بالشهر والانصياع للأمر بصيامه وقيامه، إلا أنه لا أحد يتجرأ على انتهاك حرمته على أعين الملأ، فالمريض والمسافر يلجآن إلى التواري عن الأنظار بما ينافي الصوم؛ لأن الإفطار في نهار رمضان يعتبر وصمة عار على جبين من يتظاهر به، وحتى الأجانب من غير المسلمين يتنكبون أعين المارة بالإفطار، لما يسبب لهم ذلك من مضايقات الأطفال وعامة الناس، وهذه في الحقيقة سمة بارزة في أقطار المغرب العربي.
ومن المظاهر التي تشترك فيها موريتانيا مع بقية الأقطار الإسلامية صلاة التراويح، فالمساجد والجوامع تعجُّ بالمصلين، وحتى الذين لم يتعودوا كثيراً المثابرة على النوافل فإنهم يحرصون على التراويح حرصهم على الصلوات الخمس؛ ليُشَنِّفوا أسماعهم بالاستماع إلى القرآن الكريم كاملاً ولو مرة واحدة في السنة.
من عادة الموريتانيين الاستماع، زرافات ووحدانًا إلى صلاة التراويح منقولة على الهواء مباشرة من الحرمين الشريفين، وهم يرون في ذلك تعويضًا روحيًّا عن أداء مناسك العمرة وزيارة المسجد النبوي الشريف في هذه الفترة، وينهمك بعضهم في تسجيل أشرطة عن الصلاة في الحرمين الشريفين، ويتباهون في تقليد قراءة الشيخ عبد العزيز بن صالح والشيخ الحذيفي.
ومن عادة الموريتانيين في مجال العبادة المثابرة على قراءة التفسير في بعض المساجد والبيوت، كما ينظِّم بعضهم حلقًا لتدارس كتب الحديث وبخاصة البخاري ومسلم والفشني وغيرهم فيما بين صلاة المغرب – بعد الإفطار مباشرة – وصلاة العشاء.
وللموريتانيين عاداتهم في وجبات الإفطار، والواقع أن الوجبات الموريتانية في شهر رمضان لا تختلف كثيرًا عن بعضها ويكاد الموسر والمستتر يتساويان في نوع الوجبات الرمضاينة.
عند غروب الشمس يتناول الصائم بعض التمر لما في ذلك من الندب، وربما لما فيه أيضاً من لذة الطعم، ثم يتناول حساءً ساخنًا، ويقولون: إن معدة الصائم يلائمها الساخن في بداية الإفطار أكثر مما يلائمها البارد، ثم يقيمون الصلاة في المساجد أو البيوت، وعند الانتهاء منها يشربون بعض اللبن الممزوج بالماء ويُسمُّونه "الزريك" باللهجة العربية المحلية، وهو ما يسمِّيه العرب قديمًا بالمذق.
الوجبة الثانية من وجبات الإفطار هي آنية اللحم والبطاطس والخبز، والناس هناك تختلف عاداتها في توقيت هذه الوجبة: فمنهم من يتناولها مباشرة بعد الفراغ من صلاة المغرب، ومنهم من يؤخرها إلى ما بعد صلاة العشاء والتراويح ثم يشربون بعدها الشاي الأخضر، والحقيقة أن الشاي الأخضر لا توقيت له، فهم يشربونه الليل كله، ولا يستثنون منه إلا وقت الصلاة.
وبمجرد الانتهاء من وجبات الإفطار الأولية والفراغ من صلاة التراويح يبدأ الناس يتنقلون في أطراف القرية؛ لتبادل الزيارات واحتساء كؤوس الأناي – وهو الشاي الأخضر المخلوط بالنعناع – عند الأصدقاء وتبادل أحاديث السمر التي لا تتقيد بموضوع معين.
في الأيام الأخيرة من الشهر المبارك ينشط العلماء والوعاظ في المساجد والمجالس العامة ومجالس الأسرة؛ للتذكير بأن طاعة الله واجبة على مدار السنة، وأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
لا يتقيد بشهر معين، وأن الله يخاطب العبد ويحاسبه على أعماله في شوال مثلما يحاسبه عليها في رمضان.