ليالي رمضان في موريتانيا.. فرصة للسهر والرياضة والكلام في السياسة
تترسخ في أذهان المتجولين أو الزوار في شوارع العاصمة الموريتانية نواكشوط، أثناء ليالي شهر رمضان، فكرة مفادها أن الشهر الفضيل يتمتع بمميزات متعددة الجوانب، تكون فيه سنة الحياة المعهودة « بين قوسين »..
على مدى شهر كامل.
ففي الصباح تبدو شوارع نواكشوط أشبه ما تكون بـ « مدينة أشباح »، أي أنها شبه ميتة تقريبا. غير أن الوضع ينقلب رأسا على عقب اعتبارا من فترة بعد الظهر،إذ تبث في أوصالها الحياة، وتبدأ استعادة نشاطها وحيويتها المعتادة خلال ساعات المساء التي تفصل الصائم عن موعد الإفطار.
محمد ولد سالم (30 سنة) يُرجِع عودة النشاط في المساء إلى أمرين اثنين ، أولهما : خروج كثيرين من أهالي نواكشوط إلى الأسواق المنتشرة في عموم أنحاءالمدينة من أجل شراء الحاجات التي تنقصهم في المائدة الرمضانية. وثانيهما : خروج البعض الآخر من البيوت، وبخاصة من الشباب، من أجل الترويح عن النفس ومحاولة التسلي عن معاناة العزوف عن الأكل والشرب طيلة الأيام الحارة التي يصادف رمضان فصلها هذا العام.
الجميع في نواكشوط ملتزم بالموعد المادي، وهو موعد الإفطار، وكذلك فإن غالبية أهالي المدينة ملتزمة أيضا بموعدها الروحي - إذا صح التعبير - وهي صلاة « التراويح » في المساجد من كل الفئات العمرية. ولكن يذكر في هذا السياق أنه دخلت على مائدة الإفطار الموريتانية التقليدية، في غضون السنوات الأخيرة الماضية، أصناف أطعمة جديدة وافدة من المغرب، « الجارة » الشمالية لموريتانيا، ولا سيما ما يُقدَّم عند الإفطار، مثل « الحريرة » و« الشباكية » وأنواع الحلويات على اختلاف أنواعها وأشكالها.
وبالمناسبة، فلا بد هنا من الإشارة إلى أن المحلات المتخصصة في بيع هذه الحلويات المنتشرة في العاصمة الموريتانية تعود ملكيتها إلى مواطنين مغاربة. كذلك يتخذ معدو الحلويات المغاربة من جنبات الطرق والشوارع الرئيسية في المدينة أماكن يعرضون فيها منتجاتهم المغربية التي تحظى عند المواطنين الموريتانيين بإقبال لافت.
ومن جهة ثانية، يمكن القول إنه دخل انتشار المطاعم، ومعه أيضا رواج سهرات الأهل والأصدقاء بداخلها، في التقاليد الرمضانية الموريتانية، وهذا بعد ماكان النشاط الاجتماعي في رمضان يقتصر، حتى وقت قريب، على الزيارات
المتبادلة بين الأهل.
وإذا ما اقتضى الأمر السهر جماعيا فإنه يكون في الأغلب الأعم داخل البيوت. ومن الظواهر الرمضانية الجديدة اللافتة أيضا أنه باتت تنشط في ليالي الشهر الفضيل ممارسة الناس رياضة المشي في الشوارع حتى وقت متأخر من الليل بصورة لافتة.
في المقابل، على الرغم من بركة هذا الشهر، واتخاذ الحكومة الموريتانية إجراءات من أجل الحد من مشكلة غلاء الأسعار تتمثل في فتح حوانيت سمتها « حوانيت التضامن »، موجهة إلى الشريحة الأكثر فقرا وحرمانا، يشكو سكان نواكشوط علانية من الغلاء هذا العام. وهم بصفة عامة يشعرون بأن خطوةالحكومة هذه لم تكن مقنعة « ولا تسمن ولا تغني من جوع »، حسب تعبير البعض.
والواقع أن مشكلة غلاء المعيشة هي من أبرز المواضيع التي يجري نقاشها في جلسات شهر رمضان بكل مناطق موريتانيا، بل هي الهم المشترك بين كل أبناء البلاد، والشكوى من ارتفاعها تبدو على كل الشفاه وتقاسيم كل وجه يقصد الأسواق.
ومما زاد الطين بلة أنه حين طرحت مشكلة الغلاء على أحد كبارالمسؤولين في لقاء مباشر له مع المواطنين مؤخرا، رد قائلا: « إن ارتفاع الأسعار راجع إلى الارتفاع الناشئ في الأسواق العالمية، ونحن لا نتحكم فيها »، مما ولد – بطبيعة الحال – ضيقا ويأسا في نفوس المواطنين. ويشيرالبعض إلى أن غلاء الأسعار الذي غدا « مادة استهلاكية » للنقاش خلال رمضان،ربما يستمر استهلاكها إلى حين بعد عيد الفطر نهاية الشهر الفضيل.