تعلم ان تبتسم 400 مرة في اليوم...
فالإنسان يبتدئ وحيدا وينتهي وحيدا والفارق أنه عند البداية تستقبله الفرحة والإبتسامة وعند النهاية تودعه الدمعة والذكرى .
لكن ثمه فرق في كون الوحدة اختيارا وحرية وفي كونها قدر لامفر منه وخيار لا مناص عنه ....
فالوحدة عند الإختيار هي واحه خضراء وغناء ومزرعة خصبة للتأمل والتدبر والتفكر والتفكير أما في الضفة الأخرى فهي منفى وظلام ووحشه وحزن .. فالوحده تكون دائما مؤلمة حينما تكون بمثابة الإنقطاع عن الآخر ، فقدان الآخر ، حبيبا كان ام صديقا وليست بمعنى أن ينفرد الإنسان بأفكاره وتأملاته لوحده وبمفرده .
الوحدة .. والتأمل .
ثمة شيئان في الحياة محتاجان للعزلة .. الكتابة والصفاء مع النفس أو التأمل الروحي ، فلا يستطيع الإنسان أن يسمع لضجيج وصخب العالم الخارجي وأن يمارس تأملاته في الحياه في نفس الوقت ولذلك نجد أن أغلب الأنبياء والرسل عليهم أفضل الصلاه والسلام_ ان لم يكن جميعهم _ كانوا رعاة للغنم قبل تلقيهم الرسالة والوحي ودعوة الناس الى الهداية وتوحيد الله وعبادته وكما هو معلوم فإن مهنة رعي الغنم هي فرصه عظيمه للتأمل والتدبر والتفكير في صنع الخالق وملكوته وعظمته كما أنها تمنح النفس والحس الطيبه والرحمه والوداعه والشفافيه .
وللكاتب " مصطفى العقاد " جمله بليغه في هذا السياق يقول فيها :" ما من صاحب رساله الإ وجد نفسه مضطرا أن يحملها ثقيله على قلبه وعقله ثم أنفرد بها بعيدا يتهيأ لها قبل أن يلقى الناس " .
والوحده فضاء رحب وواسع لفهم الآخرين وقرأة أفكارهم ، ففي العزله يأتي الآخرون حقا الينا ونراهم بشكل أفضل ونحبهم بشكل أعمق ونتواصل معهم ومع جراحهم حتى الإلتحام ..
كما أن الإستغراق في التأمل والتفكير دلاله على ان المرء يحمل افكار طيبه ، ذلك أن الأشرار والبلهاء هم دائما حاضروا الذهن . والمرء يحتاج في لحظات شفافه الى التوحد مع ذاته والى سماع صوته الداخلي والى مراجعة مشواره الطويل والإنفراد بصوت الجرح الذي يسكن بداخله لعله يجد له مهربا من روتين الحياه ومن مشاغلها التي لا تنتهي أو لعله يسلك طريقا أكثر إتساعا وأعمق بعدا ويخترق آفاقا توصله الى ماينسيه هموم يومه وذكريات أمسه ..
إذ كم هو جميل أن يكتشف الإنسان نفسه من الداخل وأن يسبر أعماق وجدانه ليتبين الخطوط العريضه لإتجاهاته ..
فلا شئ يقدر أن يتحول الى فراغ طالما حافظت نفوسنا على عمار الحب لها ،
إن الفراغ الحقيقي هو أن لا يتبقى لك شئ تفكر فيه ولايبقى لك من تحبه ويحبك ،
لحظتها سيتحول الزمان الى وقت وتكف الحياه عن الحياه .
إن الوحده والتامل تمنحنا الفرصه الكافيه للإتقاء بحقيقتنا التي ضاعت منا ونعيد لملمة ذواتنا المتمزقه تحت ركام التناقضات وزحام الخيبات .
إن للعزلة همسه ولمسه ولغة أثيريه تشعل بالقلب النداء والهتاف لكل وجه قريب من النفس والحس والروح والجروح .
إن الوحده في لحظه التامل هي بمثابه توق الى إقلاع حقيقي ربما يكون هربا أو بدايه جديده أو ربما عوده الى حيث البدايات القديمه .
الوحده .. والألم .
في ليل الوحده والوحشه تصير المدن شاسعه وغريبه وموحشه ، وفي لحظات التواصل الإنساني والحنان البشري تكون دافئه ونابضه تحتويك كرحم يكتنز طفلا .
إن الإنسان بفطرته إجتماعي يميل الى التواصل الإنساني والأخذ والعطاء في الموده والمحبه والعطف وليس هناك احب للمرء من أن يجد جليسا يستطيع أن يسكب نفسه في نفسه ويفضي اليه بسريره قلبه لعله يمر بهمساته فوق قاره كآبته وينزع عن روحه كمامه الصمت ليكون وجوده في حياته كالنافذه التي تمنحه الشمس والهواء والقدره على التنفس .
إن الوحده حينما تكون بمثابه الإنقطاع عن الآخر أو فقدانه سواء كان حبيبا ام صديقا أم قريبا .. تكون مؤلمه وقاسيه
إذ يحس المرء بحزن غامض يشعر به ولكنه لا يستطيع الإمساك به أو حفظه وهو مع ذلك يلتف حوله ويلازمه ويداعبه ويقهره الى ان يبلغ مداه الأخير .
إن الوحده هنا .. تشعر المرء أن كل طرق العمر لديه فارغه مثل أغصان تينه يابسه أشبه ماتكون حياته بمدينه مهجوره مر بها الطاعون وغادرها أهلها الى الأبد ، في قلبه يتجمع شئ غامض شيئا شيئا ، لؤلؤه حزن في محاره القلب وعيناه عتيقتان حزينتان كشجره توت ميته ..
كل مايحتاجه هو إنسان واحد فقط يتسع لجراحه ويمسح دموعه وينتشله من عمق أوجاعه ومن أشواك آلامه وأحزانه وأوجاعه . فتقرأ في روايه " الطاعون " لأ لبيركامي " عباره جاءت على لسان بطلها يقول :" ليس في طاقه المرء أن يظل دائما وحيدا " كما أن " أورست " في الإسطوره اليونانيه كان وحيدا عندما قرر قتل أمه " كليتنمسترا " لينال حريته ، أما " هاملت " فكان وحيدا حين أتخذ قراره بالإنتقام لموت أبيه ، وهو القرار الذي كان سبب في تدميره وهلاك كل من حوله " وجون كنيدي " كان وحيدا لحظه إتخاذ القرار الشهير المعروف بخليج الخنازير في " كوبا " والذي كان سيقود العالم كله الى حرب عالميه ،
كما أن غالبيه الذين يقدمون على الإنتحار لايتخذون مثل هذه الخطوه الفاصله والحاسمه الإ في لحظه وحده مؤلمه وقاسيه وكذلك حالات الطلاق ..
إن الغالبيه منا لاتعرف - عن يقين - ثقل تلك اللحظات الحاسمه في الوحده ولذلك نجد ايضا
أن الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم نهى عن سفر الرجل لوحده أو أشار الى كراهيته وذلك لكون الشيطان يتقوى على المرء حينما يكون لوحده ويزرع بذره الشك والوسواس في ذاته .
إن الوحده التي يشعر بها المرء لإفتقاده لأحباءه وأصدقاءه وأهله إنما هي وحده لاتحتمل يشعر المرء فيها أن الكآبه تغمره كالبحر ويحس أن كل شئ زائف وعبث وأن الفرح لايدوم وأن كل الطرق تؤدي الى الحزن ويشعر بأنه جسد بلا روح وشجره بلاماء وبيت دون سقف " كم هو مخيف ظل العصفور وهو وحده بلا أليف حينما يرحل قبل أن تغيب الشمس أو تجئ الريح " أو كما قال بطل مسرحيه " سؤ التفاهم " ألبير كامي " وهو يبحث عن أمه وإخته اللتين هجرهما في حياته :
" لا نستطيع أن نسعد في المنفى او النسيان ولانستطيع أن نظل غرباء على الدوام "
ومنذ أكثر من أربعه الآف سنه كتب شاعر فرعوني قديم يشكو فيها من الوحده والزمن والناس فيقول :
لمن اتحدث اليوم
والأخوان أشرار
والأصدقاء هجر الحب قلوبهم ؟
والإنسان الطيب يتأخر
والإنسان الصفيق يتقدم الصفوف "
إن الوحده تشعر الإنسان بالعجز والضعف والملل وتسلمه الى مدينة الإغتراب فيحس انه غريب رغم انه يعيش بين البشر ووحيد رغم كل الماكن المكتظه بالوجوه فيغترب بمرور الزمن عن ذاته ويصير عاجزا عن ممارسه المحبه أخذا وعطاء .. كما أن بعض البشر كما وصفتهم الكاتبه :" أجاثا كريستي
" يزيدون وحدتك عندما يأتون لإنقاصها ..
.. لكن هذا لايمنع من وجود الرأي الآخر الذي يرى أن هناك أحباب من غمام وأسراب من حمام حينما نتذكرهم في وحدتنا نشعر بإبتسامه من عفو الخاطر وفرحه لمرور طيفه العابر ، ونجد أنفسنا نردد مع الشاعر : نزار قباني :
في اللحظات التي أتسكع فيها على طرقات الحزن وحدي
أفكر فيك لبضع ثواني ...
فتغدو حياتي حديقه ورد " .