أبت أشلاء حروفي أن تحاصر يراعي ...وآثرت أن تبقى طليقة في فضاء نظيف ..إلاّ من غبار الذّكريات .ناءت بها ذكريات الماضي وحاصرتها جيوش يأس من مستقبل غامض ...هتفت لحمامة روحها ..ليس في هذا الهُنا أنا بل في الهُناك ... سأبقى وأكون...
تعبت.. استرسلت تغزل على نول قديم معطفًا من صوف يقيها من برد كانون وعلى مغزل ذكرياتها تغزل شالا من حرير يلف عنقها بنعومة دافئة ، وأغمضت عينيها يلاعبها نعاس ثقيل وتلاعب حُلمَ عشّ صغير.
في الصّباح استيقظت سنابل...على صوت بائع الأزهار ينّوع في طبقات صوته حسب نوع وسعر الأزهار فباقة من الورد الجوريّ الأحمر أكثر سعرًا من الجوريّ الأبيض والقرنفل الزهري يختلف عن البرتقالي أو الأصفر ...جمعت قواها بعد حُلم مثقل بكابوس الذّكريات وفتحت صرّة مال ونقدت البائع ما يستحقّ مقابل باقة ورد جوريّ اختارتها بيضاء ...وانتعلت جرأة الجنديّ في ليلة ليلاء ...وتسربلت بثقة أرز لبنان ...وسارت تهمس ...سألقاه.. سألقاه
مدّت يدها تعاودها ذكرى حزينة ...وأقفلتها على يدها الأخرى ...تألمت من شوك أدمى يديها ...فبات الجوريّ أحمر رغم نقاء البياض ..بكت للمرّة الأولى سنابل ...بكت حقل ذكريات أصفر اللّون ..بكت أفاعي استقرت في الحقل تحت حزمة القمح ....افترشت كومة قش ...وتوسدت صخرة صمّاء ...والتحفت شعاع الشّمس المتسلل بين غمامتين وعادت لتلاعب ذكرى الأمس بغفوة ...وما أن بدأت شفتاها برسم خيوط بسمة أمل ...وقلبها ينبض مبشرًا بحلم جميل ...حتّى علت أنفاسها ... ...وعلا معها صدر ضاق ذرعًا بقلب ذائب .....وكبد حرّى ...وإذ ذاك فتحت مقلتيها لتصطاد بنظرها أفعى كبيرة لعقت من أناملها ما لعقت وتركتها تصارع الحُلم والحياة ...فهتفت وفي هتافها صمت صارخ .. لا تعوموا في بحر الذّكريات ....فأمواج بحرها قويّة وخطيرة ابقوا على شاطئ الأمان ....تحت مظلة الأحلام وستعوم بكم ....بلا موج ...لا ..ولا حوّامات فعندما تصرخ الأشواق ......تظهر الأشواك فبين الشّوق ...والشّوك ...قضيّة ...وثأر وتابعت .. تقودني قدماي في درب الشوك ....وتقودني روحي في درب الشوق وبين قدميّ وروحي ........درب شوك ....وشوق وتجرعت آخر جرعة من بئر الّكريات وقالت... سبقتني دموعي .......وأنا ألملم ذكرى الأمس .....بحفنة شوق ...وصرّة حنين ....وأبذرها في حقل الأحلام ...وتنهدت ...وقالت لا ترموا حجارة ........في بئر الذّكريات فقد تشربون منها .....ذات يوم...أجل ذات يوم قد تشربون ... فللذكرى .........حِصار من جنُون ...وجسر من خيال