عندما تجدين فراشة ميتة على ورقة الجيرانيوم الذي تزينين به شرفتك؛ تلك المقشور جدارها، الصدئة قضبانها، الفارغة أركانها؛ وزوجك غارق في همومه، يجترها في تقليب صفحات جورنال يحكي عن أميرات الغرب... وتمسكين بها بما تبقّى فيك من حبِّكِ لي، وترينها كملاك صغير أسقِطَ من وكر الملائكة، وفي قلبها الضئيل، رصاصة ظالمة... عندها ستهطل عليك صور آلاف الأطفال المقتّلين هناك في الأراضي القصيّة، وهم يلعبون بالحجارة ـ براءة ـ ضد المدافع الجبارة؛ ساعتَها ستعلمين أنّك في فصل أفول الفصول، وهي ـ بالضبط ـ ساعة اغتراب الربيع. في تلك الساعة، سترين عالمَنا أسودَ من دون قطرة حليب، وتعيساً في استشهاد عرائس الأطفال، والحربُ تطحنُ الوطن، والحبُّ هاجر إلى بعيد... ساعة موتِ أحلامِ الأطفال على الشرُفات، سترين شقّتَكِ كالقبر والعالمَ الخارجيَّ دماراً يجعلُك تتساءلين:«هل الله يرى أم أنّه انتحر؟» وزوجُك عيناه جاحظتان في التلفزيون، يتابع باهتمام المباراة النهائية لرولان غاروس... وأنتِ ـ بانتظام ـ تقرئين المجلات النسائية بحثاً عن جمال مفترض... عن الحب. وأيُّ حبِّ تريدينه في زمن الحرب؟ الله هنا. الله لم ينتحر. الله لا يتفرّجُ على تقتيل الأطفال. الله يدري، والله أعلم... تمسكين بين أناملك جسد الفراشة وبالأنامل الأخرى تحفرين لها قُبيْراً في تربة الأصيص. تدفنينها وهي لا زالت تحتضر. في قلبها بقية حياة لكنّك لا تعلمين. من أين لكِ العلم وأنتِ لم تقدري على الحب؟ الآن صار للملاك الصغير بعض من وطن. قريبا سيتجذر، سينمو، سيزهر، سيثمر فراشات قادرة على جلب الربيع من الصقيع. قريباً سيأتي النصر وستعود الفصول إلى أرضها؛ والله، الله سيبتسم. يا كافرة! أنا أومن بالله وأرجوه أن يؤمن بي. أحياناً لا أومن، ولكنّي أخاف على الدوام. والآن؛ أخرجيني من قُبيْري فما تلك الفراشة المخترق صدرها برصاص الظلم سوى أنا... أنا ما زلتُ في قيد الحياة. أريد أن أطير إلى أوطاني لأجعل الأوطان سلاماً وحباً وحياة...