لم اسمع أصواتهم ولم تكلمني أفواههم بل كلمتني مملكتهم التي دخلت إليها دون علم أنها حدودهم ولو كنت على علم لما دخلت إليها فقد شعرت برعشة هزت جسدي وطردتني من عالمي لأجد نفسي في مملكتهم، نظرت يمنة ويسرة شعرت أنهم يحدقون بي يحاولون الحوار والحديث دون انتظار لكنهم لا يستطيعون ذلك فهم لا يجيدون لغتي الأن، تقهقرت قليلا ونظرت إليهم كثيرا، شعرت أن هناك احدا يتقدم نحوي قليلا قليلا ويهمس بأذني قائلا : ستأتي إلى مملكتنا غدا أو بعد غد فهل لديك تأشيرة الدخول! انتفض جسدي وجال نظري يمنة ويسرة فلم أجد احد بل كانت رياح قاسية ورائحة لم أعهد مثلها رائحة، إنها رائحة الغائبون عن عالمي، رائحة المنسيون بين طيات الذاكرة، رائحة خوف لا أجيد تفسيره سوى أنه خوف من أن أسافر إلى مملكتهم دون أن تكون لدي تأشيرة لأدخل الحدود التي أبغي أن تكون لي هناك، أردت أن أخرج لكن قدماي تسمرتا فأردت أن أغلق منبع الخوف والهلع المنبثق من مقلتاي فاغمضت عيناي، حينها شعرت أنهم أجادوا لغة الحوار وبدأو بإسداء النصيحة بانهمار، تساءلت هل أتقنت لغتهم؟ هل أصبحت فردا في مملكتهم؟! لكن كيف وانا لا املك تأشيرة الدخول بعد؟! لا اريد أن أكون هناك، امهلوني الوقت لأجلب تأشيرة الدخول، فقط لأجلب التأشيرة! .
استجمعت قوتي وفتحت حدود مقلتي لأرى أنني لا زلت خارج حدود مملكتهم، تسللت الطمأنينة إلى جسدي فانا لا زلت هنا ولست هناك، لقد كانت مجرد تخيلات عبثية غزت أفكاري بحرية فاستوطن الخوف في جسدي، أما الأن اشعر بطمأنينة كينونتي فأنا لست هناك، لكن اواه على نفسٍ لا تحمل تأشيرة الدخول رغم أن ثمنها بين اليد يجول! تسائلت كثيرا وبكيت طويلا حتى شعرت أنهم بكوا لبكائي وندبوا حظهم لأنهم لا يحملون تأشيرة الدخول لما يريدون فهم هناك في مملكتهم لكنهم في حدود الزجر موقوفون وبتهمة جرم النفس محكومون، يتمنوا لو أنهم يعودوا ليحصلوا على التأشيرة التي يبغون، أما انا فلدي الأمل لإنقاذ النفس بالعمل.
استجمعت قواي ومسحت الدمع من مقلتاي ونظرت إليهم مخاطبة هل اودعكم أم أن اللقاء موعدكم؟!
نعم لابد أن اودع عالمي الخاص وقبل ذلك أهيئ العمل دون أي انتقاص لأعود إليكم وأصبح في ثنايا مملكتكم، مملكة الغائبون .