تبتسم لي تلميذتي الحلوة فتبيض السبورة ويطل علي العندليب من النافذة منشدا: «أما زلت تحس بالتعب يا أستاذ؟»
تبتسم لي فأنسى كل مشاكلي. أنسى الحافلة ورائحة إبطي السائق ودموع وعرق المعيدة العانس. تبتسم لي حلوتي فأنسى كلام المفتش السخيف وصرامة الحارس العام الأبله وقهقهات الأستاذة الغليظة التي لا تعمل إلا ساعة في اليوم لسبب لا يعرفه حتى المدير.
تبتسم لي تلميذتي الحلوة سلمى فأنسى أن جل زملائي وأغلبية معارفي أصبحوا موظفين سامين. أنسى أن حسابي البنكي فارغ فاه وأن والدي له معاش يحاول أن يقتصد منه ثمن الكفن والقبر.
تبتسمين لي يا صغيرتي فأشعر أني انتصرت على الإقطاع والإمبريالية والصهيونية. ابتسامتك هي عنوان نجاحي في مهنتي. هي ردي الوحيد على من ينتقدني ويؤاخذني علي بقائي وسط الطباشير وروائح أطفال الأحياء المقهورة مدة ثلاث وثلاثين سنة.
ثلاث وثلاثون سنة والغراب يتهكم علي والعندليب يتهرب مني والتلميذ المشاغب يحرق أعصابي والتلميذة الغبية تجيب عن أسئلة لم أضعها أبدا.
ثلاث وثلاثون سنة وأنا أربت على أكتاف اليتامى ولا من يربت على كتفي أنا. وأنا أمسح دموع تلاميذي الفقراء ولا من يمسح دموعي أنا. ثلاث وثلاثون سنة وأنا أبتسم في وجه المفتش وأولياء التلاميذ ورغبتي الوحيدة تكسير السبورة على رؤوس الجميع.
أمنية لم أحققها. السبب؟ ابتسامة تلميذتي الحلوة.