.. لست أعرفها، لم التقِ يوماً بها، كما الحكايات تُحكى، كما الألحان تنتزع الولادة من الأوتار، كما النفوس الكبيرة تفرض حقيقتها على الوجود، هكذا ألفيتها تنساب على ورقي كأجمل ما تكون القصائد، وأروع ما يتمخض عن الخيال من صور ..
في مقالتي اليوم لن أستعير التشابيه، ولن أستجدي الكلمات، وقد أرحت النقد من سُقيا القلم، وأعفيت قارئي من مشاركتي السخط .
اليوم سأكتب عنها، بخفق القلب سأكتب، بانحناء العقل إعجاباً وإكبارا، باعتصار الرّوح حزنا، بحروف مسكوبة من كأس الفرح ..
من بيوت فقيرة مشرّعة للشمس أطلّت على الدنيا، عشرينية عاشقة للحياة، بسّامة للغد معلوماً ومجهولا..
حرمها القدر نعمة الصحة، فباتت رهينة الأوجاع، أسيرة الآلام، امتدّت يدّ المرض إلى أحشائها لتغتال إرادة البقاء، لتطفئ النور، وبات الموت شبحاً يتراءى لها في عقارب الساعة، في تبدّلات الفصول، في الحقائب والوجوه، في البيادر والحقول..
يدّ الخوف هي الأخرى تسلّلت لتسرق البسمة، كاللصّ تدفعه الخسّة نحو الجيوب المفرغة .. لكنّ الروح العصيّة تعمدّت الإيمان، تقمّصت العزيمة!..
في ملامح الوجه دعابة الطفولة، براءة الأحلام، وفي حشرجات الصوت أغاني العزّة والعنفوان..
رغم أعاصير الوجع وحتميّة الضعف، رفضت أن تتجر بألمها، أن تستدرّ الشفقة على شاشات الفرجة، أن تطلق نداءً يوقظ النفوس للعطاء، أو صرخة تعرّي المرائين من أقنعة مزيّفة.
رفضت أن تعيش مدينة لمن يهب لها مال البقاء مقابل ماء الكرامة، وحين باح الجسد الموجع بسرّ الاحتياج تطوّع الرحم، وهل يعبء بالموجعين إلا من شاركهم وشيجة الدّم، ومعتصر الشقاء..
أعذريني يا صديقتي ربما قادني إيماني بأنّ الأرض ما عقمت عن النجباء، وأنّ أهل الحبّ لم يعدموا، وما زالت عيوننا تقع على آثارهم، وإن خفيت عنّا أسماؤهم، ولأنّك قضيّة إنسانيّة، حملتُ آلامك كتاباً مفتوحاً لتقع عليه العيون المبصرة، ليلبي نداءك طلّاب العلاء.
لقد أفصحتُ عمّا لم تقبلي الإفصاح عنه، لأجل أن تبقي في هذا العالم أيقونة حبّ ومشعل رجاء، ولأنّك حقّاً تستحقين الحياة !..