الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فإن من الأعمال التي لا يحبها الله -تعالى-، ويُدخِل صاحبها النارَ الكبر، قال الله -عز وجل-: (فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ . لا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ) (النحل:22-23).
- والكبر خلق يزينه الشيطان لضعفاء النفوس الذين دب المرض في قلوبهم، واستفحل حتى أصبحوا يرون الحق باطلاً والباطل حقًا، وأصبحوا يرون أنفسهم أنهم الأعلى، ولا أحد ولا شيء يعلوهم، فينظرون لكل الناس نظرة احتقار وازدراء، واستعلاء.
- وقد عرَّف النبي -صلى الله عليه وسلم- الكبر، فقال: (الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ) (رواه مسلم)، ومعنى (بَطَرُ الْحَقِّ): رده، ومعنى (غَمْطُ النَّاسِ): احتقارهم.
وإمام المستكبرين وقدوتهم هو إبليس -عليه لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة- حيث رد الحق حين جاءه من رب العالمين الذي أمره أن يسجد لآدم، فرأى نفسه أنه الأفضل، وعلل ذلك بأنه خلق من نار، بينما خلق آدم من طين، وهي علة ليس له عليها دليل؛ فمن الذي أخبره، وكيف علم أن النار أفضل من الطين؟! لكنه الكبر والعجب والغرور، ولله در القائل:
وإن افتخرت بآباء لهم نـسـبٌ قلنا صدقت، ولكن بئس ما ولدوا
فليس الفتى من قال: كان أبي ولـكـن الفـتى مـن قـال: هـا أنا ذا
وصدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين قال: (وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ) (رواه مسلم).
- مما سبق يتضح أن الكبر هو أول معصية عصي الله بها -عز وجل-، وأن أول عاص بهذا الخلق الذميم هو إبليس، ثم تتابع مشاهير المستكبرين من الأمم والأشخاص عبر التاريخ.
- فهؤلاء قوم نوح -عليه السلام-، يقول عنهم ربنا -عز وجل- لما دعاهم نوح إلى الإيمان: (وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا) (نوح:7).
- وهؤلاء قوم عاد لما دعاهم نبيهم هود -عليه السلام- إلى الإيمان، يقول الله -عز وجل- عنهم: (فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً) (فصلت:15).
- وهذا فرعون خليفة إبليس والسائر على نهجه: (فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى) (النازعات:24).
- وهؤلاء قوم فرعون تكبروا على رسل الله -صلوات الله وسلامه عليهم- حيث قالوا لهم: (أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ) (المؤمنون:47).
- وهذا قارون: (قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي) (القصص:78)، وذلك لما قال له قومه: (لا تَفْرَحْ) أي: بتلك الكنوز، (إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ) (القصص:76).
- ثم تبع اليهود هؤلاء -على الجميع لعائن الله المتتابعة إلى يوم الدين-، ولقد كان الكبر من أعظم أسباب بشاعة سلوك اليهود مع أنبيائهم.
قال -عز وجل- مخاطبًا اليهود: (أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ) (البقرة:87).
- وهؤلاء قريش ساروا على نفس درب المستكبرين، قال -عز وجل- عنهم: (إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ . وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ) (الصافات:35-36).
- وقال -عز وجل- عنهم مبينًا أنهم سلكوا مسلك إبليس لما أمرهم بالسجود فأبوا، وازدادوا نفورًا: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا) (الفرقان:60).
- وذكر الله -عز وجل- مقالتهم الشنيعة التي تبين استكبارهم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) (الزخرف:31).
- ثم جاء المنافقون على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وما أبشع النفاق -عياذاً بالله منه-؛ ليبين الله -عز وجل- أن من صفاتهم الاستكبار، قال -عز وجل-: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ) (المنافقون:5).