ارفع رأسك عالياً أيها الإبريلي، آن لك أن تفتخر بما قدَّمتَه، وما زلت تقدمه، يا من عرَّضت نفسك للخطر والناس نائمون، يا من تكلمت والناس صامتون، يا من صَدَعت بالحق والناس خائفون، يا من قاسيت الشدائد والناس يلعبون، ويا من أوذيت في سبيل الحق والناس آمنون.
يعايرونكم بأنكم شباب، وهل كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إلا شبابا؟ وهل كان حواريو المسيح عليه السلام إلا شبابا؟ وهل تغير شعبٌ إلا بطليعةٍ مخلصةٍ مناضلةٍ من شبابه وفتياته؟
يزعمون أنكم عملاء ومأجورون، فهل نلتم مقعدًا في برلمان، أو كان لكم نصيبٌ في وزارة، أو أخذتم منصبا من أي نوعٍ كان، أو صرتم من المرضيِّ عنهم ومن المقرَّبين؟ بل أنتم –كما كنتم دوماً- نبض الوطن، وطليعة الكفاح، وزهورٌ نبتت في أرضه من طينته وتلألأت تحت سمائه، لا تبتغون شيئًا من متاع الدنيا وحطامها الزائل، لا تريدون سوى أن تروا وطنكم يعود إلى سابق عهده، وقديم مجده، وأن ينفض عنه غبار الذل والتخلف والفقر والجهل والمرض، والفساد والاستبداد، ويعطي لأبنائه الفرصة في حياةٍ حرةٍ كريمة، لا يضطرون معها إلى الهجرة والهرب إلى الخارج، أو الذل والانسحاق في الداخل.
عندما كان أقصى ما يستطيعه غيركم هو انتقاد هذا الوزير أو ذاك، وغاية ما يطمح إليه هو مهاجمة هذه الوزارة أو تلك، والمطالبة ببعض المكاسب الوهمية، واستجداء عطف النظام وتعطفه ببعض الفتات، كنتم أنتم وقلة قليلة من المخلصين من أبناء هذا الوطن تقولون: لا، وتصرخون: لا، بمنتهى القوة، وبأعلي الصوت، تقولون لا لرأس النظام المخلوع، لا للوريث ولا للتوريث، لا للظلم ولا للقهر، وتنادون بضرورة التغيير الشامل والكامل، الذي لا يعرف المراوغة والمهادنة، ولا يعترف بلغة الصفقات، ولا يعرف منطق المساومات. وإذا رأيت عداوة أهل الباطل لك مستمرة فاعلم أنك على الحق، وإذا رأيت من حولك يتساقطون يمينًا وشمالاً وأنت ثابتٌ لا تتزحزح، ولا تتخبط، فاعلم أنك سائرٌ على صحيح الدرب.
أعلم أن كثيرًا منكم يتألمون ومحبطون، ولهم الحق في ذلك، فربما لو كنتم في بلدٍ آخر لكرَّموكم وحملوكم على الرؤوس، وأسبغوا عليكم الأوسمة والنياشين، وصنعوا لكم قصائد الشعر وأكاليل الغار، ولكن قدركم وقدرنا أننا نحب هذا الوطن، بل نذوب حبًا في هذا الوطن، في وطنٍ يتحول فيه الشهداء إلى مجرد أرقام، أرقامٍ لا معنى لها، وخلف كل رقم اسمٌ وقصة وحكاية لم تكتمل، وألمٌ في قلوب مَن عرفوه، ألمٌ لن يجبره إلا الله في يوم اللقاء الأعظم.
نعم، ارفع رأسك عاليًا أيها الإبريلي، ولوِّح بقبضتك الصلبة في الهواء، وارسمها على شارةٍ سوداء بقدر القتامة التي عشناها وما زلنا نعيشها، فأنت مشكلة لجميع الأطراف، لأنك عصيٌّ على الكسر، عسير على الشدائد، لا تقبل التخويف، ولا تنحني للتهديد، ولا تلتفت للمغريات التي يلهث وراءها غيرك.
وما زلنا، وما زال الوطن ينتظر منكم الكثير الكثير، فكونوا كما عودتمونا: في طليعة من يقاوم، ومن يموت ولا يساوم، ولا تبالوا بمن نال منكم ورماكم بالاتهامات والافتراءات ظلمًا وبهتانًا، فكل الشرفاء الحقيقيين معكم، وجميعنا يعلم من تكونون، وماذا تريدون، كما نعرف جيدًا خصومَكم: من يكونون وماذا يريدون. وأذكِّر نفسي وأذكِّركم بقول الله جلَّ وعلا:
(إن يَمسَسْكم قَرحٌ فقد مسَّ القوم قرحٌ مثلُه وتلك الأيام نداولها بين الناس وليَعلَمَ اللهُ الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يُحب الظالمين)،
وقوله تعالى:
(إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وتَرجون من الله ما لا يرجون وكان الله عليمًا حكيما).
تحية لرفاق الثورة، وأسود الميادين، تحية لشباب 6 ابريل.