وقال الليث: الجمعة يوم خُص به لاجتماع الناس في ذلك اليوم، وتجمع على الجُمُعات والجمع، والفعل منه جمع الناس، أي شهدوا لجمعة.
قلت: الجمعة تثقل والأصل فيها التخفيف جُمْعة. فمن ثقل اتبع الضمة، ومن خفف فعل الأصل. والقراء قرءوها بالتثقيل.
وفي حديث النبي صلى الله عليه انه ذكر الشهداء، فقال: " ومنهم أن تموت المرأة يجمع " ، قال أبو عبيد: قال أبو زيد والكسائي: يعنى أن تموت وفي بطنها ولد. وقال الكسائي: ويقال يجمع أيضاً. قال أبو عبيد: وقال غيرهما: وقد تكون التي تموت بجُمْع أن تموت لم يمسها رجل. قال. وروي ذلك في الحديث: " أيُّما امرأة ماتت بجُمْع لم تُطَمثْ دخلت الجنة " . وأنشد أبو عبيد:
وردناه في مجرى سُهيلٍ يمانياً ... بصُعرِ البُرَى من بين جُمعٍ وخادِجِ
قال: والجُمْع: الناقة التي في بطنها ولد. والخادج: التي ألقت ولدها.
أبو العباس: الجماع: الضُّروب من الناس المتفرقون. وانشد قول ابن الأسلت:
من بين جَمعٍ غيرِ جُمّاعِ
وقال الليث: جُماع كلُّ شيء: مجتمع خَلْقِه. من ذلك جماع جسد الإنسان.
قال: وجماع الثمرة ونحوها، إذا اجتمعت براعيم في موضع واحد على حملها. وقال ذو الرمة:
ورأس كُجمَّاع الثّريا ومشِفرٌ ... كسِبْتِ اليَمَاني قَدُّه لم يُحَرَّدِ
وروى ابن هاني عن أبي زيد: ماتت النساء بأجماع، والواحدة بجُمْع، وذلك إذا ماتت وولدُها في بطنها، ماخضاً كانت أو غير ماخض. قال: وإذا طلق الرجل امرأته وهي عذراء لم يدخل بها قيل طلَقت بجمع، أي طلقت وهي عذراء لم يدخل بها؛ وكذلك إذا ماتت وهي عذراء قيل: ماتت بجمع.
ويقال ضربوه بأجماعهم، إذا ضَربوه بأيديهم. وضربه بِجُمْع كفه. ويقال: أمركم بجمع فلا تفشوه، أي أمركم مجتمع فلا تفرقوه بالإظهار.
وقال أبو سعيد: يقال أدام الله جمعة بينكما، كقولك أدام الله إلفة ما بينكما.
وفي حديث النبي صلى الله عليه انه أتى بتمر جنيبٍ فقال من أين لكم هذا؟ قالوا: أنا لنأخُذ الصاع من هذا بالصاعين. فقال رسول الله صلى الله عليه: " فلا تفعلوا، بع الجَمْع بالدراهم وابتع بالدَّراهم جنيبا " . قال أبو عبيد: قال الأصمعي: كلُّ لون من النخل لا يعرف اسمه فهو جَمْع. يقال قد كثُر الجَمْع في ارض فلان، لنخل يخرج من النوى. ومزدلفة يقال لها جَمْع. وقال ابن عباس: " بعثَني رسول الله صلى الله عليه في الثَّقَل من جمع بلَيْل " .
وقال الليث: يقال: ضربت فلانا بُجْمع كفى، ومنهم من يكسر فيقول بجِمْع كفّى. وتقول أعطيُتك من الدراهم جُمع الكف كما تقول مِلء الكف.
وقال الليث: يقال المسجد الجامع نعت له لأنه علامة للاجتماع يجمع أهله. قال: ولا يقال مسجد الجامع.
قلت: النحويون أجازوا جميعاً ما أنكره الليث والعرب تضيف الشيء إلى نفسه وإلى نعته إذا اختلف اللفظان، كما قال الله جل وعز: )وذلك دِينُ القَيِّمَةِ( " البينة 5 " ومعنى الدين الملة كأنه قال: وذلك دينُ الملة القيمة.
واخبرني المنذري عن أبي الهيثم انه قال: العرب تضيف الاسم إلى نعته كقول جل وعز: )وَعْدَ الصِّدْق( " الأحقاف " 16 " و )وَوَعْدَ الحق( " إبراهيم 22 " ، وصلاة الاولى، ومسجد الجامع.
قلت: وما علمت أحدا من النحويين أبى أجازته، وإنما هو الوعد الصِّدقُ، والمسجدُ الجامع، والصلاة الأولى.
وقال الليث: المجمع يكون اسما للناس، وللموضع الذي يجتمعون فيه. قال: والجماعة: عددُ كل شيء. وكثرته. والجِماع: ما جَمَع عددا، كما تقول: جماع الخباء أخبية. وقال الحسن: " اتقوا هذه الأهواء التي جماعها، الضلالة ومعادها النار " وكذلك الجميع، لأنه اسم لازم.
وقال الليث: رجل جميع، أي مجتمع في خلقه. وأما المجتمع فالذي استوت لحيته وبلغ غاية شبابه، ولا يقال للنساء. وانشد أبو عبيد:
قد سادَ وهو فتى حتى إذا بلغَتْ ... أشدُّهُ وغلا في الأمر واجتمعا
ويقال للرجل إذا استوت لحيته: مُجتمِع، ثم كَهْلٌ بعد ذلك.
وقال الليث: يقال لك هذا المال أجمعُ، ولك هذه الحِنطة جمعاء، وهؤلاء. نسوة هن جُمَعُ لك، غير منوْن ولا مصروف.
قال: وتقول: استجمعَ السَّيلُ، واستجمَعَتْ للمرء أمورُه، واستجمعَ الفرسُ جَرْياً وانشد:
ومستجمع جرياً وليس ببارحٍ ... تُباريه في ضاحي المِتانِ سواعده