قيامة المسيح في العهد الجديد
قيامة المسيح في رسالة رومية من سلسلة: قيامة المسيح
«أقيم لأجل تبريرنا»
(رو 25:4)
رسالة رومية تتضمن "أساسيات التعليم المسيحي"، وفيها نجد تفصيلاً للإنجيل؛ إنجيل الله (رو 1:1). ويعلن لنا الرسول في هذه الرسالة كيف يتبرر الإنسان الخاطئ أمام الله، وكيف يقيم في علاقة صحيحة مع الله، وكيف يُعتق من سلطان الخطية ويتمتع بالحرية التي له في المسيح، ويجد الوسيلة الإلهية للعيشة في البر والقداسة. وموضوع الرسالة يمكن أن يُلخَّص في إحدى العبارات الواردة فيها: «إنجيل المسيح .. قوة الله للخلاص لكل مَنْ يؤمن .. لأن فيه مُعلنٌ برُّ الله بإيمان لإيمان» (رو 16:1،17).
وقيامة المسيح من بين الأموات من أعظم الحقائق المسيحية الجوهرية الواسعة المدى والتطبيق. وإذا أُنكرت ذهب الإيمان كله وبَطُلَ من أساسه، وبدونها تتجرد المسيحية من كل امتيازاتها وبركاتها. فقيامة المسيح هي البرهان أن الله قَبِلَ عمله في الموت، وأن جميع مطاليب الله العادل قد وُفيت في الصليب تماماً. ونستطيع نحن أن نفتخر في هذه الحقيقة أن ذاك المجيد الفريد -تبارك اسمه- الذي حَمَلَ هو نفسه خطايانا في جسده على الخشبة، قد أُقيم«بمجد الآب»،وفي هذا الضمان الأكيد الراسخ بأن خطايانا قد ذهبت عنا إلى الأبد.
ومما سبق نحن لا نستغرب أن تُذكر قيامة المسيح في رسالة رومية اثني عشر مرة، مرتبطة بثمانية أمور هامة:
(1) القيامة وارتباطها بالبرهنة على بنوة المسيح الأزلية (4:1)
(2) القيامة وارتباطها بالنطق بالحكم بتبريرنا (24:4،25)
(3) القيامة وارتباطها بسلوك المؤمن في جدة الحياة (الحياة الجديدة) (4:6،5،9)
(4) القيامة وارتباطها بإثمار المؤمن لله (4:7)
(5) القيامة وارتباطها بإحياء الأجساد المائتة (11:8 مرتين)
(6) القيامة وارتباطها بشفاعة المسيح لأجلنا (34:
(7) القيامة وارتباطها بإيمان الخلاص (9:10)
(
القيامة وارتباطها بأحقية المسيح في السيادة على الأحياء والأموات (9:14).
وسنتناول، بمعونة الرب، هذه الأمور الرائعة بالتأمل، طالبين من الرب أن يستنير الذهن ليمكننا أن نقاوم في اليوم الشرير، وأن يشبع القلب لكي نسجد.
(1) القيامة وارتباطها بالبرهنة على بنوة المسيح الأزلية
«تَعَيَّن (تبرهن أنه) ابن الله .. بالقيامة من الأموات»
(رو 4:1)
إن الإقامة من الأموات يعتبرها الرسول بولس برهاناً قوياً على أن المسيح هو ابن الله .. وعندما نقرأ في رومية 4:1 عن المسيح أنه «تَعَيَّن (أي تبرهن أنه) ابن الله .. بالقيامة من الأموات» نفكر أيضاً في إقامة المسيح لابنه يايرس وابن أرملة نايين ولعازر، ولكن ما من شك بأن إقامة المسيح لنفسه هي الموضوع الرئيسي هنا. فالبرهان الأكيد أن المسيح هو ابن الله هو أنه أقام نفسه من الأموات.
وفي هذا الصدد نقتبس هذه الكلمات الثمينة لخادم الرب الفاضل الأخ/ يوسف رياض:
عن هذا الأمر المجيد؛ إقامة المسيح لنفسه من الأموات، يحدثنا أيضاً الرسول يوحنا في إنجيله، إنجيل ابن الله، حيث ترد لذلك إشارتان:
الإشارة الأولى: بعد معجزة تحويل الماء إلى خمر في عُرس قانا الجليل (يو 2)، اتجه الرب إلى أورشليم حيث طهّر الهيكل من الباعة والصيارفة، وقال: «لا تجعلوا بيت أبي بيت تجارةٍ». وهنا قال اليهود له: «أية آيةٍ تُرينا حتى تفعل هذا؟»، كأنهم طلبوا برهاناً على قوله إن صاحب البيت هو أبوه، أو بالحري أنه هو ابن الله، «أجاب يسوع وقال لهم انقُضوا هذا الهيكل وفي ثلاثة أيام أُقيمه .. وأما هو فكان يقول عن هيكل جسده. فلما قام من الأموات تذكّر تلاميذه أنه قال هذا فآمنوا بالكتاب والكلام الذي قاله يسوع» (يو 18:2-22).
نعم إنها آية بكل معنى الكلمة، بل هي آية الآيات. فكيف يقيم واحد نفسه بعد أن يموت؟! لقد تبرهنت عظمة قدرة المسيح وظهر مجده باعتباره ابن الله في إقامته للعازر بعد أن أنتن (يو 11). لكن أن يقيم هو نفسه بعد موته فهذا برهان أعظم. فهنا لا نجد مجرد قدرة فائقة، بل سرٌ عظيمٌ «الله ظهر في الجسد». فهو بلاهوته أقام ناسوته الذي مات. وكانت إقامته لنفسه دليلاً لا يقبل الدحض على أنه ابن الله «تعين (أو تبرهن أنه) ابن الله بقوة .. بالقيامة من الأموات» (رو 4:1).
الإشارة الثانية: في إنجيل يوحنا أيضاً ترد في الأصحاح العاشر والأعداد 17، 18 حيث يقول المسيح: «لهذا يحبني الآب، لأني أضع نفسي لآخذها أيضاً. ليس أحد يأخذها مني بل أضعها أنا من ذاتي». نعم إنهم لم يأخذوا حياته منه. وعندما قتلوه معلقين إياه على خشبة فإن كل ما فعلوه هو أنهم نقضوا هيكل جسده، أما نفسه أو حياته فلم يأخذوها منه، بل هو وضعها من ذاته.
لذلك لا نقرأ أنه على الصليب شهق شهقته الأخيرة كما يُقال عادة عن الإنسان عند موته، بل «فصرخ يسوع أيضاً بصوتٍ عظيم وأسلم الروح» (مت 5:27 قارن مز 4:146). إن الصرخة العظيمة هي صرخة الظافر، وكأن المسيح عند موته ظفر بأعدائه. وأمام هذا المشهد قال قائد المئة والذين معه يحرسونه: «حقاً كان هذا ابن الله!» (مت 54:27). ومن بين الكلمات النادرة التي تكررت في الأناجيل الأربعة كانت كلمة: «أسلم الروح».
ويواصل الرب كلامه في يوحنا 10 ويضيف هذه الأقوال العظيمة: «لي سلطان أن أضعها ولي سلطان أن آخذها أيضاً. هذه الوصية قبلتها من أبي» (18:10).
هذا الحديث العجيب يجمع بين سلطانه الشخصي المطلق، وخضوعه الكامل لمشيئة أبيه. وهنا نحن مرة أخرى أمام واحد من أعظم الإعلانات المرتبطة بالفداء. فمن جهة سلطانه يقول: «لي سلطان أن أضعها ولي سلطان أن آخذها أيضاً» ومن جهة خضوعه يقول: «هذه الوصية قبلتها من أبي» !!
عندما يتكلم الوحي عن البشر، كل البشر، فإنه يصفهم في مزمور 22 بوصفين:
الوصف الأول: «كل مَنْ ينحدر إلى التراب» (مز 29:22). هذا هو الحكم الذي وُضع على كل البشر (تك 19:3). ويا للعجب أن المسيح شاركنا بالتجسد في هذا الأمر (عب 14:2)، فيقول في نفس المزمور «إلى تراب الموت تضعني» (مز 15:22).
أما الوصف الثاني فهو: «مَنْ لم يُحيي نفسه» (مز 29:22). قد يقتل الإنسان نفسه؛ ومع أن هذا ليس من حقه، لكن بوسعه أن يفعله، أما أن يحيي الإنسان نفسه فلا هو حقه، ولا هو في طاقة يده.
في مفارقة مع هذا كله كان المسيح؛ «له سلطانٌ أن يضعها» لأن نفسه هي ملكه (قارن جا 8:
، «وله سلطان أن يأخذها أيضاً» لأنه الله. وعندما وضع نفسه فقد انحدر إلى التراب «إلى أقسام الأرض السفلى» (أف 9:4). ثم عندما أخذ نفسه، فلقد استردها بالقيامة، وكانت إقامته لنفسه من الأموات هي البرهان العجيب الذي انفرد بتقديمه لنا، يوحنا البشير، مرتين للدلالة على أنه ابن الله» الذي ظهر في الجسد، وهو أيضاً ما أكده لنا الرسول بولس في رومية 4:1 أنه «تعين (أو تبرهن أنه) ابن الله بقوة .. بالقيامة من الأموات» (قارن من فضلك أع 23:13-37).