بلغني أيها الملك السعيد، من مستقبل الزمان، في القرن الحادي والعشرين الميلادي، أن إحدى الفتيات، في بلاد المغرب، ابتاعت تذكرة، أسرعت نحو الرصيف، تسلقت درجتي العربة بصعوبة، تمشي في الممر الضيق تعوقها حقيبتاها،
ــ لحظة يا شهرزاد، يبدوا أني لم أعد أفهم لغتك، كيف للفتاة أن تمشي في الممر وهي تركب العربة؟
ــ معذرة يا مولاي الأمر يتعلق بوسيلة نقل حديدية، آلية الحركة لها قوة خارقة تجر عربات كثيرة، وتسير على قضيبين حديدين، هل تسمح يامولاي بالمواصلة؟
ــ لك ذلك
ــ تطل الفتاة في المقصورات الواحدة تلو الأخرى لعل بصرها يقع على من تطمئن إليهم في رحلتها هذه من "وجدة إلى غاية "مراكش":اسرة، أو بعض النساء،لقد سمعت كثيرا عن الأذى الذي قد يلحق بالفتيات المسافرات على متن القطار.
ــ إذن هذه الألة العملاقة، هي القطار، وماذا عن "وجدة" و" مراكش"؟
ــ إنهما مدينتان يا مولاي الأولى شمال شرق البلاد، والثانية في وسط البلاد نحو الجنوب وهما مدينتان تاريخيتان.... هل لي أن أتابع؟ أومأ برأسه
ــ جلست تقابل سيدة منقبة، في خمار أسود ذكرها بقول من قال: قل للمليحة في الخمار الأسود ماذا فعلت بناسك متعبد.... أحست بالحرارة، شالت معطفها لتكشف عن ذراعين غاية في الجمال وفج بين نهدين نافرين يستهوي الإناث قبل الذكور. تزعجها رائحة دخان سيجارة، ينفخه أحد الواقفين في الممر يتسرب إلى داخل المقصورة. استاءت وقالت بصوت خافت: متى نتعلم احترام بعضنا، هذا قطار للعموم لا يجوز إقلاق راحة الغير. يبدو أن المنقبة تابعت بغام الحسناء باكتراث،لقد فاجأتها قائلة:
ــ إن الشخص الذي تنعتينه بعدم الاحترام زوجي، ولقد غادر المقصورة احتراما لك وراح يدخن في الخارج
ــ فليدخن كما يحلو له، لكن دون أن يزعج الآخرين،
ــ ما دام في الممر لا يحق لك أن تنزعجي، هو حر فيما يفعل وأنا راضية
ــ لا يهمني رضاك يا سيدتي، تهمني راحتي قبل كل شيء
ــأنت من تزعجين الناس بسفورك، أنا ومثيلاتي من ننزعج من قلة حيائك، ونخاف من إغراء جسمك العاري. خذي هذه السترة ضعيها على فخذيك أحست الفتاة بالمضايقة المقصودة وقامت من مكانها تبغي المغادرة، وما كادت تسحب حقيبة من الرف حتى امتد إليها يد المنقبة تسحبها من شعرها إلى الخلف، دون أن تعرف سبب تصرف السيدة.فالحوار الساخن الذي دار بينهما لا يؤدي بتاتا إلى هذا النوع من السلوك. اهتدت بسرعة إلى أن السيدة عدوانية ولا بد لها من الدفاع عن نفسها بالقوة ؛ مدت يدها إلى الخلف نحو راس الخصم فلم تتمكن إلا من سحب الخرقة السوداء من على رأسها، أخذت تعيدالكرة، تحاول قدر الإمكان لعلها تتخلص من قبضة السيدة التي كادت تقتلع شعرها من جذوره، وهي في وضع لا يسمح لها بكبير حركة.
انشغلت المنقبة تبحث عن غطاء رأسها لتعيده إلى وضعه باستعمال إحدى يديها الشيء الذي سمح للشابة بحركة أكثر، مكنتها من الاستدارة والإمساك بوجه المرأة وسحب البرقع من على وجهها...
رباه ماذا رأت ورأى المتحلقون خلف باب المقصورة الزجاجي، شعر مصطنع في قبضة الشابة يكشف عن رأس محلوقة، تعلوها جراح بالغة، ووجه عليه أثر جرح من غاية الأذن اليسرى إلى غاية زاوية الشفتين، وآخر على طول الجبين. وجدت الشابة نفسها أمام امرأة لا كالنساء، لم تضعف إزاء هذا المنظر، بل زادها قوة أمسكت بحقيبة يد الشبح أفرغتها على الأرض لا تحتوي إلا على ولاعة وما يصاحبها من لوازم...
غادرت المكان تجر حقيبتيها بعد أن حاولت مسرعة ترتيب لباسها وشد أزرار قميصها على صدرها. خرجت مهرولة تبحث عن مقصورة قد تطمئن إلى من فيها.جلست، ولا تزال مضطربة، تدل حركاتها على غليانها المتواصل تنظر في اغراضها دون أن يستقر بصرها على شيء