رأيتني، أيها الملك السعيد، في منامي، ذات ليلة، محمولة على الهواء، أحلق في الأجواء العلا، أقطع مسافات الزمن نحو المستقبل، فوجدتني أنزل في مدينة تختلف على مدننا لها مداخل ومخارج لا تحصى، شوارعها حبلى بآلات، ذات عجلات، يركبها الناس تتحرك آليا لا تستدعي قوة للدفع أو الجر الخارجي. أثار انتباهي أن أكثرها لونه أحمر وتحمل على السطح حافظ أمتعة بلون أصفر عليه خطوط وأرقام.يستوقفها الناس ثم يركبونها، تقلهم إلى حيث يرغبون مقابل قطع نقدية. وقفت على حافة الطريق، والناس ينظرون إلى شكلي،لكن لا أحد منهم اقترب مني.ولتلافي هذا الموقف من جهة ولإشباع فضولي من جهة أخرى، أشرت بالطريقة التي يشير بها القوم، وكنت قد سمعت أحدهم يركب إحداها قائلا: وقفت آلة حمراء، ركبتها مرددة الكلمة التي سمعتها، انطلقت كالبرق، أطلق من عقال. مرت لحظات قليلة، وقفت العربة فركب أحدهم وسمعته يقول ما لم استطع حفظه، أعتقد أنه قال: انطلقنا من جديد... استوقفنا رجل يرتدي زيا لا كالأزياء يتمنطق بسلاح من الناحية اليمنى وعلى اليسرى يعلق محفظة. حيى السائق، فأردف:أوراق السيارة !!! مده السائق بأوراق وبطاقات بأحجام وألوان مختلفة. سأل السائق:
هل ارتكبت مخالفة؟
من وراء هذا أدركت أن الرجل مسؤول على حفظ النظام وله سلطة بمقتضاها يمارس عمله.
هل لازلت في الاستماع يا مولاي؟ اجل إلا أنني شردت أتخيل هذا العالم الذي تتحدثين عنه...واصلي يا شهرزاد
آه، نعم، تذكرت، أجاب المشرف على النظام:
نعم، لقد فعلت
هل يمكنني أن أعرف..
بالطبع، لقد وقفت قبل قليل وركب الأخ، وجلس إلى جانب السيدة، فأنت لم ترتكب مخالفة واحدة بل مخالفتين، إحداهما قانونية، والأخرى دينية
ماذا تقول؟
الذي سمعته، هل تؤدي الغرامة الآن أم ستدفعها بعد الحكم؟
لازلت لم تدلني على مخالفتي
أولا القانون لا يسمح لك أن توصل زبونا ثانيا وأنت في خدمة الزبون الأول، أو بمعنى أوضح يمنعك القانون من نقل زبونين في نفس الوقت، تكتفي بإيصال كل واحد على حده. و أنتم أصحاب سيارات النقل العمومي من كنتم وراء خروج هذا القانون إلى الوجود حفاظا على تساوي الفرص في العمل.
وأما المخالفة الثانية فلقد جمعت في سيارتك رجلا غريبا بامرأة غريبة عنه وفي هذا مخالفة للشرع
أيها الأخ الكريم أما الأولى فلقد جرت العادة على مثل هذا السلوك في العمل ولم يعد يعترض عليه احد ممن يشتغلون في القطاع
نحن بلد نعتمد القانون ولا شان لنا بالعادة فاعتادوا كما شئتم لأن في أخر المطاف أنتم من يشتكي قلة الدخل وأن الغير من بينكم يستفيد اكثر مما تستفيدون
رغم ذلك الكل يشتغل على هذا النحو ولم يعد أحد يشتكي. أما ما قلته عن المخالفة الثانية، فعلى العكس مما تعتقد.إذا تأملت الموقف جيدا ستجد أنني على صواب تام.و إذا سمحت أعطني فرصة أشرح لك الأمر.
طيب رغم أن كلامك لن يزيد أو ينقص شيئا، تفضل
ألم يقل عليه الصلاة والسلام ما معناه: إذا تواجد رجل وامرأة في مكان لوحدهما فالشيطان ثالثهما؟
صدق الرسول الكريم
ألم تكن المرأة وأياي وحدنا في السيارة؟
بلى
إذن كان لنا ثالث، وأعثقد أن لما ركب الزبون الثاني وهو ذكر، لم يعد للشيطان تواجد بيننا وهكذا تسقط المخالفة التي أسميتها مخالفة دينية كما سقطت المخالفة القانونية قبلها
أيها الأخ الكريم لا داعي لتضييع الوقت لقد ارتكبت مخالفتين وما عليك إلا أن تتحمل مسؤوليتك كاملة..