بلغني أيها الملك السعيد أن كل من دب في السوق كان مجبرا على الاكتتاب،لم يسلم من الحرفيين احد، الحدادون والسمارون والخرازون والخدماتيون كالحمالين، والحلاقون وكذا الفنانون:العازفون والمهرجون، والشعراء والرواة، والحكواتيون،ولم يسلم المتحلقون حولهم سواء من يصلي أو المؤمن العاق، وهؤلاء الناس وأمثالهم الذين لا يعملون إلا أيام السوق الأسبوعي تم جرد أسمائهم في لائحة حتى يستدعون للعمل يساعدون في بناء المسجد.
جمع الشيخ الزين القوم، ليخطب فيهم من جديد. والناس قلقون لا يعرفون ما بجعبة الشيخ الفقيه.
قال قائل لجماعة وهو ينظر من حوله خشية أن يسمعه أحد أذنات "الأشول "المزروعة بين الناس:"ترى ما سبب الاجتماع، ما حدث في تاريخ الاجتماعات أن أحسسنا براحة بال ولا طمأنينة جيب، ولا استرخاء عضلات، ما نابنا منها غير الشقاء.ألطف بنا يارب."
ــ أيها الناس لقد اجتمعنا ها هنا لننظر في أمر مسجدنا. لقد تمت العملية الأولى بنجاح؛ تم جمع المال، وبعد دراسة مستفيضة تبين للأخصائيين أن المال غير كاف لإتمام عملية البناء، ولذا فكرت في اكتتاب ثاني وأعدت التفكير ويعلم الله كم اجهدت نفسي في ذلك.كنت على وشك الأمر بفتح لائحة عندما اهتديت إلى حل يريح جيوبكم المتعبة لكنه يرهق عضلاتكم التي ألفت الكسل. اهتديت فيما اهتديت إليه أنكم من يقوم بعملية البناء بدون أجر هكذا سيكفينا المال المرصود لبناء المسجد.
من وسط الجمع ارتفع صوت لم يعرف صاحبه: والمال الذي لم يتم رصده للبناء ماذا حل به؟... خيم الصمت لفترة وجيزة استطاع الخطيب أن يضبط أعصابه،فلم يبد على وجهه أي أثر جراء ما سمع..واصل حديثه كأنه لم يكترث.
ــ سنشتغل عشرين ساعة باليوم سنتوزع على فريقي عمل كل فريق يشتغل عشر ساعات، ــ التفت أحدهم يكلم في همس من يجلس إلى جانبه، أرى أن العمل على وشك الانطلاق، ولا أرى أثرا لآلة أو جرافة أو رافعة؟
رد عليه المستمع
ــ رصد لها غلاف مالي بدن أدنى شك، ولكن...أنت كل هذه الآلات يا صديقي
ــ كيف، لم أفهم!؟
ــ أفضل لك ألا تفهم!
انطلقت الأشغال وقد حضر الانطلاقة حشد من ذوي الجاه والسلطان وحشود من الأطفال والنساء، أما الرجال فكانوا كلهم على مسرح العذاب. تراهم يبذلون قصارى الجهد، أضعاف جهود عبيد الفراعنة وهم يدحرجون تلك القطع الحجرية نحو الأعلى، لايختلفون عن"سزيف"إلا في الفناء، والفناء السريع. منهم من تخور قوته بعد وقت وجيز من الشقاء، يدخل إلى خيمة، وبعد لحظات يخرج شبه معافى(بركات الشيخ).كان للعمال بعد كل ثلاث ساعات من العمل المضني استراحة لعشرين دقيقة،يطعم العمال ويشربون ما أعدت لهم زوجاتهم، ويدخنون ومنهم من يتمدد لبعض الدقائق قد يستعيد بعض قواه،يتبادلون بعض أطراف الحديث ــ إن ديننا دين يسر، فلم نجبر أنفسنا على هذا العسر؟
ــ فعلا ديننا دين يسر، إلا أنا لسنا من أجبرنا أنفسنا، اتعتبر هذا عسرا؟ أو ليس جحيما؟ ــ كيف ذلك ونحن لازلنا أحياء نرزق؟ حسب فهمي الساذج الجحبم في الآخرة ونحن في الدنيا. أم ترانا متنا دون أن نشعر؟ وهل نعاقب دون أن نحاسب ونعرف على الأقل ما الذي اقترفناه؟ ــ لا زلت حيا لم تمت بعد، فأنت تستعد أو بعبارة أخرى أنت تتدرب على العيش في الجحيم الحقيقي لأنك ستموت حتما قبل أول أذان من هذا المسجد.
ــ هل ستكون له مئذنة؟ أقصد من سيسمع نداء الصلاة ما دام المسجد يقع في قمة الجبل؟ حسب علمي،الأصوات ترتفع إلى الأعلى، سيسمعها من في السماوات أما نحن الذين نقبع في السفح فلا حق لنا في سماعه، وبالتالي سنتخلف على الصلاة. وديننا دين يسر،ويعسر علينا سماع نداء الفلاح.إذن لن نفلح أبدا. طيب ومن سيفلح؟من في السماء وحدهم؟
ــ لقد أفلحوا منذ أمد بعيد، ويدهم هي العليا، هم في العلا يسمعون كل شيء ما دامت الأصوات تعلو وتصعد دون أن تنزل.سبحان الله حتى الأصوات مسخرة لأهل العلا.
ــ لم أفهم
ــ قبل قليل كنت حكيم زمانك والآن تدعي عدم الفهم. لا بأس ببساطة يجب أن ينحني عشرة حتى يتمكن للحادي عشر من الارتقاء، أو بمعنى آخر لا ارتقاء للقلة حتى تنحني الكثرة
ــ لم أستوعب شيئا
ــ أنظر إلى الجبل المقابل ترى على القمة ماعزا. أم ترها؟
ــ بلى
ــ فكر! كيف وصل الماعز إلى القمة،؟
ــ لأنه وجد الصخر مرصوفا الواحد فوق الآخر واستطاع الوصول إلى حيث هو،
ــ كذلك الشأن بالنسبة لك، أنت إحدى صخرات الجبل
ــ دعنا من حديث الجبل فنحن بصدد الحديث عن ما نحن فيه من عذاب.ديننا دين يسر فكيف نتمكن من صعود الجبل إلى غاية المسجد خمس مرات في اليوم؟
ــ ديننا دين يسر، ولا يسمح لنا بالمبيت في المسجد على الأقل نرتاح من احد الأشواط ذهابا وإيابا.
ــ اللهم يسر ولا تعسر...
بلغني أيها الملك السعيد أن الأهالي لم يستطيعوا تكبد عناء الصعود والهبوط،وقضاء ساعات طوال يتدحرجون بين القمة والسفح،هذا بالنسبة لمن يستطيعون حمل اجسامهم النحيلة. أماالمرضى والمعطوبين، فليس على العمى حرج. وجد الناس أن ساعات اليوم كله لا تكفي لأداء شعيرة الصلاة وأخذ قيلولة بين كل صلاتين، ولا وقت تبقى لديهم اللانتشار في الأرض سعيا وراء رزقهم وابتغاء أرزاق الشيخ وذيوله. والحالة هذه استعان الأهالي بضعف سواعد أبنائهم أحيانا وبخفة أصابعهم أخرى وبما حبته الطبيعة لبناتهم مرات أخرى حتى يقلصوا ما أمكن من نقيق ضفادع البطون...
وصاح ديك الصباح وسكتت شهرزاد عن الكلام المباح.