ــ اسمعي يا شهرزاد لقد أصبحت حكاياتك عن المستقبل البعيد تثيرني رغم أني لا استطيع تكوين فكرة واضحة، عما يرد في ثناياها من حديث عن الآلات والديانات وأمور الحياة، حبذا لو سبحت بي في ذلك العالم.
ــ لي كامل الشرف يا مولاي... بلغني أيها الملك السعيد أن في ضواحي إحدى مدن بلاد المغرب الواقع في الشمال الأفريقي، وتسمى "وجدة"مساحات شاسعة من الحقول البورية تحيط بمطار "أنجاد"(الجيم بثلاث نقط)، كان الفصل أميرا واليوم أحدا والشمس تجنح نحو المغيب، وعجلات السيارات وقوائم الكراسي والأفرشة البلاستيكية، والأرجل التي تتقاذف الكرات تستمتع بخنق أنفاس الطبيعة. ركن "نديم"سيارته على قارعة الطريق، بعيدا نسبيا عن العيون وشرع وصحبه يتأملون المكان... فجأة أحس "نديم "بمغص خفيف يعبر أمعاءه، لم يعره كبير اهتمام. أخذ يشتد تدريجيا حتى بلغ الأمر أقصاه. خرج من السيارة مسرعا لا يلوي على شيء. أجال بصره باحثا عن مكان يقضي به حاجة لم تعد تمهله.اختبأ خلف "شجرة نبق" قصيرة كثيفة، صاحب حاجة أعمى.أحس براحة ما بعدها راحة...
ما كاد يبتعد كثيرا حتى رأى أحدهم يقترب منه، يبدو أنه يطلبه لحاجة. سلم وقال:
ــ إذا سمحت أريد منك أن تسمعني لبعض الوقت.
كان شابا وسيما لا يتجاوز العشرين ربيعا إلا بقليل، آثار النعمة بادية على بشرته، وجنتاه ما شاء الله ! شفتاه ورديتان،قد يكون ممن تغزل بهم أبو نواس في زمانه.لكن لا فغلمان أي نواس كانوا مُرْداً، أما هذا فيعلق إلى وجهه مخلاة كثيفة سوداء، ويضع على راسه"شاشية" سوداء صغيرة،بزي افغاني ونعل مفرطح.
ــ تفضل "خذ راحتك" أنا أسمعك
نظر إلى"نذيم" ويبدو أن مسحة اشمئزاز غطت ابتسامته، دون أن تغيب إشراقته، بعثت الشك في نفس "نديم"لما رآه يمسك على أنفه لحظة:"أمن رائحة تنبعث من فمي أو...من خبث لا زال عالقا بشرجي ؟"
ــ سامحني يا أخي في الدين، كثيرنا من يتقن الوضوء والاغتسال والطهارة، وقل وندر من له دراية كافية بالاستجمار
ــ عفوا !!!!!
ــ أجل يا أخي في الدين، إن للاستجمار فرائض ومبطلات...
اندهش "نديم" هم بالابتعاد لكن تدارك نفسه وحاول أن يتبين حقيقة أمر هذا الفتى واستدرك:
ــ أحقا أن للاستجمار...تعني ما أتيته أنا قبل قليل؟ له...مبطلات...؟يعني أن استجماري قبل قليل قد يكون باطلا...
ــ تماما يا أخي في الدين" قل رب زدني علما"
بدا الأمر ل"نديم" مسليا واجتاحته رغبة في أن يشرك صديقيه، وطفق يقترح على الشاب: ــ لمَ لا ترافقني إلى غاية السيارة إن لي صديقين ينتظراني وهكذا يستفيدان وينوبك أجر مضاعف
ــ على بركة الله
بعد السلام قدم "نديم" رفيقيه: بئيس و قحطان. والتفت إلى الضيف ليقدمه لصديقيه: وهذا ضيفنا...لم يكن يعرف اسمه. وبعد صمت، سمع الضيف يقول "عبده" اقتعد نديم مكانه، ثم طلب من ضيفه الجلوس.
ــ كنت تحدثني يا أخ "عبدو"في موضوع الاستجمار
نظر بئيس و قحطان إلى بعضهما وهما يزمان شفتيهما بنفس الطريقة وفي نفس الوقت ــ نعم أيها الإخوة، إن للاستجمار فرائض لابد من الإحاطة بها أولها أن اعتماد حجر من نفس المكان، إذا تعذر الحجر أصبحت المحارم الورقية مستحبة شريطة أن تنقع في ماء كولونيا، إنا تعذرت فلا بد من كحول ولكن بشرط أن يلي الاستعمال حرق المكان حيث يعلق الخبث بنار ولاعة بشرارة واحد ة لا أكثر، تستعمل بشرارة وحيدة لا غير...
ــ وإذا تعذر...؟
تلعثم الأخ "عبده" وأسعفه بئيس:
ــ إذا تعذر فعود ثقاب لكن شريطة أن... وإذا تعذر فقدح حجارة لكن شريطة أن تتم عملية القدح بمحاذاة الخصية اليسرى...
وعبده يجيل النظر بين كل من بئيس وقحطان،مده هذا الأخير بكأس لم يستدع عبها انتظار إلحاح أو تشجيع من الجماعة. وفجأة انفجر الثلاثة يضحكون ونظر إليهم الضيف وقد ارتسمت على شفتيه ابتسامة ذابلة...
وأدرك شهرزاد الصباح...