أحلامُنا.. كَمْ مِنها بقي على قارعة الطرق نازفاً آخر قطرات روحه.. كم منها وصل إلى أعلى درجات التحقيق ليهوي متعثّراً بظلّه وتهوي معه كلّ دواعي الحياة.. وكم منها مات من قبل أن يولد حتى.. متأثّراً بجراح الواقع.. تعفّن في الأحشاء وحيداً.. دون أن يدرك رغباتَهُ إنسٌ.. قبل أن يعطّر عينيه بضوء الوجود.. فكان موته صامتاً كنشأته.. أقلّ شأناً من ثورته...
هي أحلامنا.. ذاك الشيء المؤجَّل.. إلى أجل غير معلوم.. وغالباً إلى لا أجل.. لكنّنا من فَرْطِ سذاجتنا نصدّقها.. نقتل كلّ ما تبقّى فينا علّنا نفسح لها المجال لتحيا.. واثقين أنّ حياتها ستغنينا عن وجودنا بأكمله.. فنتلقّى صفعة نهاية المطاف.. وننطرح أرضاً.. مهشَّمين.. لا قوة في الأرض قادرةٌ أن تنتشلنا من جديد.. والأوجع أننا.. في خَدْرِ تهشّمنا.. نكون سعداء.. راضين بالتصاق أقدارنا.. حتى إن لم يُـكتَب لها العيش معنا.. قتلنا أنفسنا.. عزاؤنا الاشتراك معها حتى في العَدَمْ...
هكذا هي أحلامنا.. تلك الشاهقة بعيوننا.. الضئيلة بنظر الحياة.. أملنا الأخير الذي ينطفئ حتماً.. ليبقينا في ظلام دامس.. لا نعرف فيه حدود أصابعنا من حدود أيامنا.. ذاك الظلام الذي نبجّله فيما بعد.. باعتباره الدليل القاطع على عِظَمِ تلك الأحلام.. بل حتى على انهيارها الساحق...
أيتها الحياة.. رفقاً بنا.. رفقاً بأحلامنا.. فبعضها هشّةٌ.. بريئةٌ.. رغم تمرّدها وخبثها.. جميلةٌ.. رغم كلّ الخراب الذي تحدثه فينا حين تتلاشى.. صادقةٌ.. رغم كلّ الكذب الذي نزرعه حولنا لنحميها..
رفقاً.. رفقاً.. فثمّةَ أحلام تبدّد عمراً كاملاً من الأحزان.. كحلمي الرائع بك...