يا لجمال الطبيعة الأخاذ، الذى لا يدركه إلا من انحاز لروح طفولته، ففاز بالانعتاق من ربق كهولته، بإيعاز من استواء فطرته ؛ حينها..تلمس الروح سحرها الفتان وتشعر بهجرة الأحزان وسعادة الأيام ؛ بانطلاقها البرىء على شاطىء الأحلام...
هناك على رمال المعمورة، كانت الصورة مليئة بمشاهد البهجة والابتسام، وسرعان ما اتجه الأحفاد إلى البحر الذى عاد بمرحهم أمرح، وبفرحهم أفرح، أخذوا الدلاء والعوامات، وانطلقوا فى مجموعات... وما لبثت أن تعالت الصيحات، والأغانى والرقصات، فرفعت السعادة رايتها مؤذنة بميلاد يوم جديد، على الشاطىء السعيد....
رحلت الهموم وغادرت الغيوم والسحاب، وتوقف الزمن وارتاح العقل من الحساب ؛ فانغمست نفسى فى تلك الطبيعة البكر، ومنحتنى أجازة من كدر العمر والفكر...
عادت طفولتى التى هجرتها وهجرتنى منذ زمن بعيد ـ عود حميد ـ فعانقتها وعانقتنى، وفى عينيها نبرة حزن شديد، تصالحنا فى هذا الجو البديع، حيث الغناء والطرب الرفيع يعانق الأصداء من جديد...
فهاهم أحبابى يصولون ويجولون ولا يمكثون على حال، ثم هاهم يجلسون بكل سرور وجمال، ليحولوا الخيال إلى قصور من رمال، أحاطوها بأسوار عالية، فإذا بموجة عاتية تهدم البنيان ؛ فتتعالى الصيحات والصرخات
إنه اللهو البرىء، والضحك المضىء الذى كسانى بالفرح، وغسلنى من الترح... فغمرتنى السعادة، وشعرت بولادة طفولتى من جديد، تلك الطفولة التى عادت، بعد أن بادت الأحزان، لتسقينى من سحر الطبيعة، وانطلاقاتها البديعة، كأس الفرحة الملآن....
إن الخيال ينطلق فى هذا المكان بلا حدود، والسعادة تكتب مواثيق العهود، بكل حب وبراءة وحنان، لتقف فى وجه الأحزان، فيزيحها عنا الزمان
إن الجمال الفطرى فى الطفولة، يبعدنا عن هم الكهولة،فتعود النفس إلى سيرتها الأولى... منطلقة ومعها جسد الإنسان، نحو آفاق تصلح ما أفسدته الأيام...
إن اللعب ليس حكراً على الأطفال وحدهم، كما أن السعادة ليست حكراً على أحد، لهذا فمن حقنا أن نفرح ونمرح فالمرح استحمام فى نهر السعادة، يمنحك طاقة ولادة، وحيوية خلاقة، وانطلاقة سباقة، لتشارك فى الحياة، بالقوة والنشاط، والحب والانبساط...
إن أبناء الطبيعة هم السعداء، لأنهم أحرار طلقاء، تجتمع فيهم براءة الأطفال وحكمة الكبار.... فلنحيا بروح الطفولة فى ضوء النهار، ونغلق عنا باب الكهولة، ونحن كبار، فتبقى عقولنا تحكم أمورنا، بنور وعلم، وحسن اختيار.