كتاب الأطعمة والصيد والذكاة
1 - التبذير هو: صرف الأموال في غير وجهها، إما في المعاصي، وإما في غير فائدة لعبا وتساهلا بالأموال . أما الإسراف فهو: الزيادة التي لا وجه لها، يزيد في الطعام والشراب بلا حاجة، يكفيه مثلا كيلو من الطعام أو كيلو من اللحم، أو ما شابه ذلك فيزيد طعاما ولحوما لا حاجة لها، تلقى في التراب وفي القمائم، هذا يسمى إسرافا . وأما إتلاف الأموال بغير حق وصرفها في غير حق فيسمى تبذيرا، وبين سبحانه أن المبذرين إخوان الشياطين . لأنهم شابهوهم في اللعب والإضاعة والمعاصي (4 / 113)
2 - الشبع الذي لا يضر لا بأس به . فالناس كانوا يأكلون ويشبعون في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وفي غيره، ولكن يخشى من الشبع الظاهر الزائد، وكان النبي صلى الله عليه وسلم في بعض الأحيان يدعى إلى ولائم، ويضيف الناس ويأمرهم بالأكل فيأكلون ويشبعون، ثم يأكل بعد ذلك عليه الصلاة والسلام ومن بقي من الصحابة . وفي عهده يروى أن جابر بن عبد الله الأنصاري دعا النبي صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب يوم غزوة الخندق إلى طعام على ذبيحة صغيرة - سخلة - وعلى شيء من شعير فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقطع الخبز واللحم وجعل يدعو عشرة عشرة فيأكلون ويشبعون ثم يخرجون ويأتي عشرة آخرون وهكذا فبارك الله في الشعير وفي السخلة وأكل منها جمع غفير وبقي منها بقية عظيمة حتى صرفوها للجيران والنبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم أيضا سقى أهل الصفة لبنا قال أبو هريرة فسقيتهم حتى رووا ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم " اشرب يا أبا هريرة " قال شربت ثم قال " اشرب " فشربت ثم قال " اشرب " فشربت ثم قلت والذي بعثك بالحق لا أجد له مسلكا ثم أخذ النبي صلى الله عليه وسلم ما بقي وشرب عليه الصلاة والسلام وهذا يدل على جواز الشبع وجواز الري، لكن من غير مضرة (4 / 123)
3 - ذبائح أهل الكتاب - حكمها الحل والإباحة بالإجماع ما لم يعلم أنها ذبحت على غير الوجه الشرعي كالخنق ونحوه؛ لقول الله سبحانه: ﴿الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ﴾[1] الآية من سورة المائدة (4 / 268) (23 / 16)
4 - هذه الحشرات - كالنمل والصراصير والبعوض ونحوها - إذا حصل منها الأذى تقتل لكن بغير النار من أنواع المبيدات . لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "خمس من الدواب كلهن فواسق يقتلن في الحل والحرم الغراب والحدأة والفأرة والعقرب والكلب العقور" وجاء في الحديث الآخر الصحيح ذكر الحية . وهذا الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم يدل على شرعية قتل هذه الأشياء المذكورة وما في معناها من المؤذيات كالنمل والصراصير والبعوض والذباب والسباع دفعا لأذاها، أما إذا كان النمل لا يؤذي فإنه لا يقتل، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل النملة والنحلة والهدهد والصرد، وذلك إذا لم يؤذ شيء منها . أما إذا حصل منه أذى فإنه يلحق بالخمس المذكورة في الحديث . والله ولي التوفيق . (5 / 301) (7 / 149)
5 - الذي عليه الأئمة الأربعة وعامة أهل العلم هو: تحريم شحمه - الخنزير - تبعاً للحمه، وحكاه الإمام القرطبي والعلامة الشوكاني؛ لأنه إذا نص على تحريم الأشرف، فالأدنى أولى بالتحريم؛ ولأن الشحم تابع للحم عند الإطلاق؛ فيعمه النهي والتحريم؛ ولأنه متصل به اتصال خلقة؛ فيحصل به من الضرر ما يحصل بملاصقه، وهو اللحم؛ ولأنه قد ورد في الأحاديث الصحيحة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يدل على تحريم الخنزير بجميع أجزائه، والسنة تفسر القرآن، وتوضح معناه، ولم يخالف في هذا أحد فيما نعلم، ولو فرضنا وجود خلاف لبعض الناس، فهو خلاف شاذ مخالف للأدلة والإجماع الذي قبله، فلا يلتفت إليه . (23 / 11)
[1] - سورة المائدة الآية 5.
كتاب الأطعمة والصيد والذكاة
6 - قد أجمع علماء الإسلام على تحريم ذبائح المشركين من عُباد الأوثان، ومنكري الأديان، ونحوهم من جميع أصناف الكفار غير اليهود والنصارى والمجوس، وأجمعوا على إباحة ذبيحة أهل الكتاب من اليهود والنصارى . واختلفوا في ذبيحة المجوس – عباد النار – فذهب الأئمة الأربعة والأكثرون إلى تحريمها؛ إلحاقاً للمجوس بعباد الأوثان، وسائر صنوف الكفار من غير أهل الكتاب، وذهب بعض أهل العلم إلى حل ذبيحتهم؛ إلحاقاً لهم بأهل الكتاب . وهذا قول ضعيف جداً، بل باطل، والصواب ما عليه جمهور أهل العلم؛ من تحريم ذبيحة المجوس كذبيحة سائر المشركين؛ لأنهم من جنسهم، فيما عدا الجزية، وإنما شابه المجوس أهل الكتاب في أخذ الجزية منهم فقط، والحجة في ذلك قول الله - سبحانه - في كتابه الكريم في سورة (المائدة): {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ { أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ}[1]. فصرح - سبحانه - أن طعام أهل الكتاب حل لنا، وطعامهم: ذبائحهم، كما قاله ابن عباس وغيره من أهل العلم _ ومفهوم الآية: أن طعام غير أهل الكتاب من الكفار حرام علينا، وبذلك قال أهل العلم قاطبة، إلا ما عرفت من الخلاف الشاذ الضعيف في ذبيحة المجوس . (4 / 435) (23 / 13)
7 - إذا كانت اللحوم المذكورة مستوردة من بلاد أهل الكتاب حل أكلها، ما لم تعلم ما يدل على حرمتها؛ لقول الله - سبحانه وتعالى -: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ}[2] الآية . وكون بعض المجازر في بعض بلاد أهل الكتاب تذبح ذبحاً غير شرعي، لا يوجب ذلك تحريم الذبائح المستوردة من بلاد أهل الكتاب، حتى تعلم أن تلك الذبيحة المعينة من المجزرة التي تذبح ذبحاً غير شرعي؛ لأن الأصل الحل والسلامة حتى تعلم ما يقتضي خلاف ذلك . (23 / 18)
8 - إذا كانت المنطقة التي فيها اللحوم المذكورة ليس فيها إلا أهل الكتاب من اليهود والنصارى، فذبيحتهم حلال، ولو لم تعلم كيف ذبحوها؛ لأن الأصل حل ذبائحهم؛ لقول الله - عز وجل -: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ}[3] الآية . فإن كان في المنطقة غيرهم من الكفار فلا تأكل؛ لاشتباه الحلال بالحرام، وهكذا إن علمت أن الذين يبيعون هذه اللحوم يذبحون على غير الوجه الشرعي؛ كالخنق والصعق، فلا تأكل - سواء كان الذابح مسلماً أو كافراً -؛ لقول الله - عز وجل -: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ}[4]. الآية (23 / 20)
9 - الأصل الحل من الأجبان الموجودة بين المسلمين، حتى يعلم أن فيها شيئاً نجساً، وإلا فالأصل حلها فيما يجلب من بلادنا، فالأصل فيه الحل، إلا أن يعلم يقيناً أن فيه ما يحرمه. (23 / 21)
10 - النبي - صلى الله عليه وسلم – قال -في الضبع- : ((إنها صيد))[5]، فالضبع صيدٌ بنص الحديث الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولله فيها حكم، فالذين يعرفون لحمها وجربوه، يقولون فيه فوائد كثيرة لأمراض كثيرة، والمقصود أنها حِلّ، وإذا ذبحها ونظفها، وألقى ما في بطنها وطبخها، فإنها حل كسائر أنواع الصيد (23 / 34)
[1]- سورة المائدة، الآية 5.
[2]- سورة المائدة، الآية 5 .
[3]- سورة المائدة، الآية 5 .
[4]- سورة المائدة، الآية 3 .
[5]- أخرجه الترمذي برقم: 1713 (كتاب الأطعمة)، باب (ما جاء في أكل الضبع)، وأبو داود برقم: 1860 (كتاب المناسك)، باب (ما جاء في جزاء الضبع)، والنسائي برقم: 4249 (كتاب الصيد والذبائح)، باب (الضبع) . كتاب الأطعمة والصيد والذكاة
11 - قد اختلف العلماء – رحمهم الله – في حكمه - النيص -، فمنهم من أحله ومنهم من حرمه، وأصح القولين أنه حلال؛ لأن الأصل في الحيوانات الحل،فلا يحرم منها إلا ما حرمه الشرع، ولم يرد في الشرع ما يدل على تحريم هذا الحيوان، وهو يتغذى بالنبات كالأرنب والغزال، وليس من ذوات الناب المفترسة، فلم يبق وجه لتحريمه . والحيوان المذكور نوع من القنافذ، ويسمى الدلدل، ويعلو جلده شوك طويل، وقد سئل ابن عمر - رضي الله عنهما – عن القنفذ، فقرأ قوله - تعالى -: {قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِير}[1]. الآية، فقال شيخ عنده: إن أبا هريرة روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((إنه خبيث من الخبائث))، فقال ابن عمر: إن كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ذلك، فهو كما قاله[2]. فاتضح من كلامه - رضي الله عنه – أنه لا يعلم أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال في شأن القنفذ شيئاً، كما اتضح من كلامه - أيضاً - عدم تصديقه الشيخ المذكور، والحديث المذكور ضعفه البيهقي وغيره من أهل العلم؛ بجهالة الشيخ المذكور . فعلم مما ذكرنا صحة القول بحله، وضعف القول بتحريمه (23 / 35)
12 - ليس الأكل مع الكافر حراماً، إذا دعت الحاجة إلى ذلك أو لمصلحة شرعية، لكن لا تتخذهم أصحاباً، فتأكل معهم من غير سبب شرعي أو مصلحة شرعية، ولا تؤانسهم، وتضحك معهم، ولكن إذا دعت إلى ذلك حاجة؛ كالأكل مع الضيف، أو ليدعوهم إلى الله ويرشدهم إلى الحق، أو لأسباب أخرى شرعية، فلا بأس . وإباحة طعام أهل الكتاب لنا، لا تقتضي اتخاذهم أصحاباً وجلساء، ولا تقتضي مشاركتهم في الأكل والشرب من دون حاجة، ولا مصلحة شرعية . (10 / 154) (23 / 38)
13 - لا حرج في جعل بيارة لغسل الأواني والأيدي من الطعام مع الفضولات الأخرى؛ لأن الدسم في الأيدي والأواني ليس بطعام . أما الخبز واللحوم وأنواع الأطعمة، فلا يجوز طرحها في البيارات، بل يجب دفعها إلى من يحتاج إليها، أو وضعها في مكان بارز لا يمتهن، رجاء أن يأخذها من يحتاجها إلى دوابه، أو يأكلها بعض الدواب والطيور، ولا يجوز وضعها في القمامة، ولا في المواضع القذرة، ولا في الطريق، لما في ذلك من الامتهان لها، ولما في وضعها في الطريق من الامتهان، وإيذاء من يسلك الطريق . (23 / 39)
14 - لا يجوز استعمال الجرائد سفرة للأكل عليها، ولا جعلها ملفاً للحوائج، ولا امتهانها بسائر أنواع الامتهان، إذا كان فيها شيء من الآيات القرآنية أو من ذكر الله - عز وجل - والواجب - إذا كان الحال ما ذكرنا - حفظها في محل مناسب، أو إحراقها، أو دفنها في أرض طيبة.(23 / 40)
15 - دلت الأدلة الشرعية على أن شرب الدخان من الأمور المحرمة شرعاً، وذلك لما اشتمل عليه من الخبث والأضرار الكثيرة . والله - سبحانه - لم يبح لعباده من المطاعم والمشارب إلا ما كان طيباً نافعاً، أما ما كان ضاراً لهم في دينهم أو دنياهم أو مغيراً لعقولهم، فإن الله - سبحانه - قد حرمه عليهم، وهو - عز وجل - أرحم بهم من أنفسهم، وهو الحكيم العليم في أقواله وأفعاله وشرعه وقدره؛ فلا يحرم شيئاً عبثاً، ولا يخلق شيئاً باطلاً، ولا يأمر بشيء ليس للعباد فيه فائدة؛ لأنه - سبحانه - أحكم الحاكمين وأرحم الراحمين، وهو العالم بما يصلح العباد، وينفعهم في العاجل والآجل، كما قال - سبحانه - {إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ}[3]، وقال - عز وجل -: {إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيما حَكِيمًا}[4]. (23 / 44 – 51)
[1]- سورة الأنعام، الآية 145 .
[2]- أخرجه أحمد برقم: 8597 (باقي مسند المكثرين) .
[3]- سورة الأنعام، الآية 128 .
[4]- سورة النساء، الآية 11 .
كتاب الأطعمة والصيد والذكاة
16 - لا ريب في تحريم القات والدخان؛ لمضارهما الكثيرة، وتخديرهما في بعض الأحيان، وإسكارهما في بعض الأحيان - كما صرح بذلك الثقات العارفون بهما - وقد ألف العلماء في تحريمهما مؤلفات كثيرة، ومنهم شيخنا العلامة الشيخ / محمد بن إبراهيم آل الشيخ - مفتي البلاد السعودية سابقاً – رحمه الله - (23 / 53)
17 - لا أعلم ما يدل على نجاسته - القات -؛ لكونه شجرة معروفة، والأصل في الشجر وأنواع النبات الطهارة، ولكن استعماله محرم - في أصح قولي العلماء - لما فيه من المضار الكثيرة. (23 / 55)
18 - يقول البعض: إن الشاي هو من الخمور؛ لأن تحضيره يتم عن طريق تخمير أوراق نبات الشاي الأخضر لتصبح سوداء ؟
لا أصل لهذا القول فيما نعلم (23 / 58)
19 - إذا كانت البيرة سليمة مما يسكر فلا بأس، أما إذا كانت مشتملة على شيء من مادة السُّكْر فلا يجوز شربها، وهكذا بقية المسكرات - سواء كانت مشروبة أو مأكولة - يجب الحذر منها، ولا يجوز شرب شيء منها ولا أكله؛ لقول الله - عزوجل -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ}[1]. ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((كل مسكر خمر، وكل مسكر حرام))[2]. خرجه الإمام مسلم في صحيحه . (23 / 58)
20 - لا يجوز الجلوس مع قوم يشربون الخمر إلا أن تنكر عليهم، فإن قبلوا وإلا فارقتهم؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس على مائدة يدار عليها الخمر))[3]. خرجه الإمام أحمد والترمذي بإسناد حسن ولأن الجلوس معهم وسيلة إلى مشاركتهم في عملهم السيئ، أو الرضا به (23 / 61)
[1]- سورة المائدة، الآيتان 90، 91 .
[2]- أخرجه مسلم برقم: 3733 (كتاب الأشربة)، باب (بيان أن كل مسكر خمر، وأن كل خمر حرام) .
[3]- أخرجه الترمذي برقم: 2725 (كتاب الأدب)، باب (ما جاء في دخول الحمام)، وأحمد برقم: 120 (مسند العشرة المبشرين بالجنة) .
كتاب الأطعمة والصيد والذكاة
21 - مما يتعلق بالذكاة لمباح الأكل بوجه تفصيلي خاص، نسوق طائفة مما يتعلق بجانب الإحسان إليه عند تذكيته، ومنه: المستحبات الآتية:
1-عرض الماء على ما يراد ذبحه؛ للحديث السابق: ((إن الله كتب الإحسان على كل شيء)) . الحديث .
2 -أن تكون آله الذبح حادة وجيدة، وأن يمرها الذابح على محل الذكاة بقوة وسرعة، ومحله اللبة من الإبل، والحلق من غيرها من المقدور على تذكيته .
3-أن تنحر الإبل قائمة معقولة يدها اليسرى - إن تيسر - موجهة إلى القبلة .
4-وذبح غير الإبل مضجعة على جنبها الأيسر - إن كان أيسر للذابح - ويضع رجله على صفحة عنقها، غير مشدودة الأيدي أو الأرجل، وبدون ليِّ شيء منها أو كسره قبل زهوق روحها وسكون حركتها، ويكره خلع رقبتها كذلك، أو أن تذبح وأخرى تنظر . هذه المذكورات مما يستحب عند التذكية للحيوان؛ رحمة به، وإحساناً إليه . ويكره خلافها مما لا إحسان فيه؛ كجره برجله، فقد روى عبد الرازق موقوفاً: أن ابن عمر رأى رجلا يجر شاة برجلها ليذبحها، فقال له: ((ويلك، قدها إلى الموت قوداً جميلاً)) . أو أن يحد الشفرة والحيوان يبصره وقت الذبح؛ لما ثبت في مسند الإمام أحمد عن ابن عمر - رضي الله عنهما -: ((أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تحد الشفار وأن توارى عن البهائم))[1]، وما ثبت في معجمي الطبراني الكبير والأوسط، ورجاله رجال الصحيح، عن عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما – قال: مر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على رجل واضع رجله على صفحة شاة وهو يحد شفرته، وهي تلحظ إليه ببصرها، قال: ((أفلا قبل هذا ؟ أتريد أن تميتها موتتين))[2].
أما غير المقدور على تذكيته؛ كالصيد الوحشي أو المتوحش، وكالبعير يند فلم يقدر عليه، فيجوز رميه بسهم أو نحوه، بعد التسمية عليه، مما يسيل الدم غير عظم وظفر، ومتى قتله السهم جاز أكله؛ لأن قتله بذلك في حكم تذكية المقدور عليه تذكية شرعية، ما لم يحتمل موته بغير السهم أو معه . (23 / 73)
22 - كل من كان يدين بالإسلام ويسلك مذهب أهل السنة، ذبيحته حلال، ومن قال: إن ذبيحتك ليست حلالاً فقد أخطأ وغلط، ما دمت - بحمد الله - تسير على مذهب أهل السنة في الإخلاص لله، واتباع شريعته . (23 / 76)
23 - إذا كان مسلماً يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ولا يعرف عنه ما يقتضي كفره، فإن ذبيحته تكون حلالاً إلا إذا عُرف عنه أنه قد أتى بشيء من الشرك؛ كدعاء الجن أو دعاء الأموات أو الاستغاثة بهم، فهذا نوع من الشرك الأكبر، ومثل هذا لا تؤكل ذبيحته . ومن أمثلة دعاء الجن أن يقول: افعلوا كذا أو افعلوا كذا، أو أعطوني كذا، أو افعلوا بفلان كذا، وهكذا من يدعو أصحاب القبور، أو يدعو الملائكة ويستغيث بهم، أو ينذر لهم، فهذا كله من الشرك الأكبر . نسأل الله السلامة والعافية . أما المعاصي فهي لا تمنع من أكل ذبيحة من يتعاطى شيئاً منها - إذا لم يستحلها - بل هي حلال إذا ذبحها على الوجه الشرعي، أما من يستحل المعاصي فهذا يعتبر كافراً؛ كأن يستحل الزنا أو الخمر أو الربا أو عقوق الوالدين أو شهادة الزور، ونحو ذلك من المحرمات المجمع عليها بين المسلمين . (23 / 77)
24 - التذكية الشرعية للإبل والغنم والبقر، أن يقطع الذابح الحلقوم والمريء والودجين (وهما العرقان المحيطان بالعنق) . وهذا هو أكمل الذبح وأحسنه؛ فالحلقوم مجرى النفس، والمريء مجرى الطعام والشراب، والودجان عرقان يحيطان بالعنق، إذا قطعهما الذابح صار الدم أكثر خروجاً، فإذا قطعت هذه الأربعة، فالذبح حلال عند جميع العلماء .
الحالة الثانية: أن يقطع الحلقوم والمريء وأحد الودجين، وهذا أيضاً حلال صحيح، وطيب، وإن كان دون الأول .
والحالة الثالثة: أن يقطع الحلقوم والمريء فقط دون الودجين، وهو أيضاً صحيح، وقال به جمع من أهل العلم، ودليلهم: قوله - عليه الصلاة والسلام -: ((ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا، ليس السن والظفر))[3]. وهذا هو المختار في هذه المسألة.
والسنة: نحر الإبل قائمة على ثلاث، معقولة يدها اليسرى، وذلك بطعنها في اللبة التي بين العنق والصدر .
أما البقر والغنم، فالسنة أن تذبح وهي على جنبها الأيسر، كما أن السنة عند الذبح والنحر توجيه الحيوان إلى القبلة، وليس ذلك واجباً بل هو سنة فقط، فلو ذبح أو نحر لغير القبلة حلت الذبيحة، وهكذا لو نحر ما يذبح، أو ذبح ما ينحر، حلت، لكن ذلك خلاف السنة . (18 / 26) (23 / 78)
25 - توجيه الذبائح - سواء كانت من بهيمة الأنعام، أو من الطيور - إلى القبلة عند الذبح هو سنة وليس بواجب (16 / 78) (23 / 80)
[1]- أخرجه أحمد برقم: 5598 (مسند المكثرين من الصحابة)، وابن ماجة برقم: 3163 (كتاب الذبائح)، باب (إذا ذبحتم فأحسنوا الذبح) .
[2]- انظر: (مجمع الزوائد)، باب (إحداد الشفرة)، ج4 /33 .
[3]- أخرجه البخاري برقم: 2308 (كتاب الشركة)، باب (قسمة الغنم)، ومسلم برقم: 3638 (كتاب الأضاحي)، باب (جواز الذبح بكل ما أنهر الدم إلا السن).
كتاب الأطعمة والصيد والذكاة
26 - الرقبة كلها محل للذبح والنحر - أعلاها وأسفلها - لكن في الإبل، السنة نحرها في اللبة، أما البقر والغنم، فالسنة ذبحها في أعلى العنق؛ حتى يقطع بذلك الحلقوم والمريء والودجين . (23 / 81)
27- يجوز للمرأة أن تذبح الذبيحة كالرجل، كما صحت بذلك السنة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويجوز الأكل من ذبيحتها إذا كانت مسلمة أو كتابية، وذبحت الذبح الشرعي، ولو وجد رجل يقوم مقامها في ذلك، فليس من شرط حل ذبيحتها عدم وجود الرجل . (23 / 82)
28- كل ذبح من مسلم أو كتابي، يجعل الذبيحة في حكم المنخنقة أو الموقوذة أو المتردية أو النطيحة، فهو ذبح يحرّم البهيمة، ويجعلها في عداد الميتات (23 / 83)
29 - الواجب ذكر اسم الله عند الرمي، ولا يكفي ذكر ذلك عند إدخال الطلقة في البندقية؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((وإن رميت سهمك فاذكر اسم الله))[1]. متفق على صحته، من حديث عدي بن حاتم - رضي الله عنه - واللفظ لمسلم (23 / 91)
30 - إذا نسي المسلم التسمية عند الذبح، أو عند رمي الصيد، أو إرسال الكلب المعلم للصيد، فإن الذبيحة حلال، وهكذا الصيد إذا أدركه ميتاً؛ لقول الله - عز وجل -: {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا }[2]، وقد صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((قال الله: قد فعلت))[3]. أخرجه مسلم في صحيحه، ولما روي عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((إن الله - عز وجل - عفا لهذه الأمة عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه))[4]؛ ولأدلة أخرى (23 / 92)
[1]- أخرجه البخاري برقم: 5062 (كتاب الذبائح والصيد)، باب (الصيد إذا غاب عنه يومين أو ثلاثة)، ومسلم برقم: 3566 (كتاب الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان)، باب (الصيد بالكلاب المعلمة) .
[2]- سورة البقرة، الآية 286 .
[3]- أخرجه مسلم برقم: 180 (كتاب الإيمان) .
[4]- أخرجه الطبراني في (الأوسط)، برقم: 2137 ج2 / 331 .